محمد أبا الخيل
كان لحزمة القرارات الملكية التي صدرت يوم السبت الماضي أثر كبير في نفوس المواطنين وخصوصاً ما تعلق بإعادة البدلات لموظفي الدولة ومنحة الراتبين للمرابطين في ميدان حماية حدودنا الجنوبية، غير أن ما استرعى اهتمامي وشد انتباهي من تلك القرارات هو التعيينات في مناصب نواب أمراء المناطق ومناصب أخرى كسفارة خادم الحرمين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وتخصيص تلك المناصب لثلة من الأمراء الشباب الذين لم يتجاوزوا العقد الرابع. هذه التعيينات لها مدلول هام في نظري، فهي تعني العبور الجيلي من جيل التأسيس إلى جيل الترسيخ والاستدامة، وأقصد بجيل التأسيس أولئك الأمراء الذين عاصروا الملك عبدالعزيز ونهلوا منه أو تأثروا بسيرته واقتبسوا مما ترك من أثر في القيادة والإدارة ومداولة الحكومة والناس، وأقصد بجيل الترسيخ والاستدامة من عاصر الدولة وقادتها من الملوك وأمراء الإدارة التنفيذية، بعد أن اعتمدت الدولة التخطيط التنموي وباتت تنضبط بخطط خمسية وميزانيات سنوية.
جيل التأسيس اتسم بسمات أدائية للدور الذي تطلبته المرحلة من حيث الفكر السياسي وممارسة الحكم والتعامل مع المواطنين واحتياجاتهم وحسم التحديات البنائية في هيكل الدولة، هذه السمات تمثلت في ثلاثة جوانب أساسية، الأول منها (السمت) وهو الانضباط الذاتي في السلوك والتعامل، حيث يحرص الأمير على إظهار رباطة الجأش والحلم والقدرة على الاحتمال والجدية في الحديث وتجنب الهزل والحذر من الزلل، والجانب الثاني هو الدراية والمعرفة بالناس وشؤونهم، وكان الأمراء يهتمون بمعرفة التركيبة الاجتماعية للقبائل والعوائل البدو منهم والحضر ويهتمون بمعرفة العادات والتاريخ والموروث الاجتماعي الشعري والنثري لكل فئة من فئات الشعب ومكوناته. هذا إلى جانب الاطلاع المستمر على الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تحكم المجتمع السعودي بحواضره وباديته، والجانب الثالث هو التكنوقراطية حيث يحرص الأمير على فهم آليات وإجراءات وأنظمة الحكومة والمؤثرات الاقتصادية العالمية والمحلية في مدى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه مواطنيها والانضباط بها والاحتكام لها ورعايتها وحفظها. هذه السمات الأساسية لجيل التأسيس بلورت الصورة الذهنية للأمير السعودي في ذهن المواطن فاكتسب الأمير من ذلك الجيل هالة من التقدير والاحترام والإجلال.
الجيل الشاب من الأمراء - والذي أشير له هنا بجيل الترسيخ والاستدامة - نشاء في حظوة جيل التأسيس ورعايته وفي يسر من الموارد والإمكانات جعلته قادراً على اكتساب سمات الجيل السابق وتحصيل أفضل للعلوم والمعارف الحديثة واكتساب نتاج حضارت أخرى، حيث تسنى لكثير منهم الدراسة الجامعية والعليا في بلدان مختلفة، بهذه الحالة أصبح هذا الجيل مثقلاً بإرث ثمين ومكتسبات جديدة عصرية لازمة، فأضحى في مختلج فكري تعتلج فيه صور وخيارات عدة كل منها تظهر الأمير بصورة ذهنية مغايرة لما سواها، ولكون الزمن تغير بمعاييره وحاله وناسه، فقد بات على الأمير السعودي الشاب أن يبدو بصورة ذهنية تلائم الزمن الحاضر، ولذا عليه أن يتسم بسمات جديدة تختلف عن السمات التي اعتمرها الجيل السابق، هذه السمات ربما تتمحور حول نفس الجوانب التي تمحورت حولها سمات الجيل السابق أو ربما تتشكل بطريقة مختلفة فبدلاً من (السمت) التقليدي سيتحور لـ(نمطية الحياة) حيث تبرز سمات التواضع وبساطة المعشر والمرح والتلقائية والتعبير الحر والذاتية في الممارسات الاجتماعية، وسنرى الدراية والمعرفة ستصبح أكثر تخصصاً، وتبعاً لمنهجية معرفية تعتمد على الاستقاء من مصادر رسمية أو أكاديمية، كما أن التكنوقراطية التي احتكم لها الجيل السابق ستصبح أقل اعتماداً على الإجراءات وأكثر ميلاً للسياسات في عهد جيل الشباب، لذا سنرى جيل الأمراء الشباب أكثر رغبة في وضع السياسات والأنظمة التي تحكم أعمال الدولة والاعتماد على التقنية في تنفيذ الإجراءات وفي هذا الجانب يطول الحديث حيث إن التغير في هذا الجانب هو تغير شامل.
الذي أسعدني في القرارات الملكية والخاصة بتعيينات الأمراء الشباب أن كل منهم تقريباً سيكون قريباً ورهن إشراف أمير آخر من جيل (النقلة) وهو الجيل الذي التزم سمات جيل التأسيس و يدرك أهمية النقلة لجيل (الترسيخ والاستدامة) ويلتزم به، وفق الله خادم الحرمين الشريفين لكل خير نافع للوطن وأيده بنصره وعونه.