عبدالعزيز السماري
أحمل كثيرًا من الأمل والتفاؤل بأن تصل الرؤية السعودية إلى أهدافها، وأن تنجح في مهمة تحويل المجتمع من مرحلة الرعوية والاتكالية إلى العمل والإنتاج؛ وذلك لأسباب، من أهمها معالجة الطوفان البشري القادم في البلاد؛ فأعداد المتأهلين لسوق العمل يتزايد بصورة متسارعة، وفرص العمل لم تتغير كثيرًا؛ وهو ما يعني أن التحدي القادم أكبر همًّا وأكثر ألمًا.
بصريح العبارة، نحتاج إلى طفرة اقتصادية، ولكن بسواعد وطنية؛ فالحلول العظيمة تبدأ من خلال الأزمات، وقد نمضي الساعات الطوال في الحديث في السياسة أو عن الشأن الديني والطائفي، لكن يظل المسكوت عنه في هذا الحوار النخبوي الممل هو الاقتصاد، الذي يعتبر حجر الزاوية في أي نجاح سياسي أو وطني، وعادة تفشل الاستراتيجيات الوطنية إذا لم نضع الاقتصاد كأولوية في الأداء الحكومي.
تعد البيروقراطية من أكبر عوائق الازدهار الاقتصادي، وما زالت تهيمن على المكاتب وعلى قدرتها في دفع عجلة الاقتصاد؛ فأحد أهم الحلول للأزمة الاقتصادية الحالية هو في القدرة على تفعيل المشاريع الصغيرة، لكن الإجراءات والبطء في إقرارها يقفان عائقًا في بوابة الخروج من أزمات البطالة والانتظار.
نحتاج إلى تطوير شامل وعلى أسرع وجه للخدمات البلدية على سبيل المثال؛ فما يحدث هناك مصاب بداء الروتين والتعقيدات والإجراءات المشلولة، والرؤية المستقبلية تحتاج إلى مكاتب تساهم في إيصالها إلى أهدافها من خلال الحلول والإجراءات السريعة، وبالوضع الحالي في المكاتب البلدية لن نذهب بعيدًا في الطريق نحو أهداف الرؤية.
البعد الآخر في أزمة الشلل البيروقراطي يكمن في أروقة القضاء ومكاتب العدل؛ فالوضع هناك لا يزال يعيش في عصر آخر، ولا يتناسب مع المرحلة الحرجة؛ فالمواطن لا يزال يقوم بدور المراسل الذي يحمل أوراقه من مكتب إلى آخر في ماراثون قد يستغرق ساعات أو أيامًا أو شهورًا من أجل إنهاء معاملته.
أعتقد أن الخطاب العام يجب أن يتجاوز مسألة التنظير حول أهمية الرؤية المستقبلية؛ فالوطن يحتاج إليها بكل ما تعنيه الكلمة، لكن ذلك يجب أن يتعدى مرحلة العلاقات العامة إلى فرض التغيير والتطوير في المكاتب القديمة والعقول الإدارية المتخلفة. وستواجه أهداف الرؤية أزمات إذا لم يحدث تغيير شامل في تقديم هذه الخدمات.
إذا أردنا أن يتحرك المجتمع في اتجاه بدء طفرة المشاريع الصغيرة في كل مدن وقرى المملكة فيجب وضع آليات سهلة ومؤثرة لاستخراج التراخيص اللازمة، وتعزيز الصناديق التي تمول هذه المشاريع، قبل أن نغرق في الطوفان البشري القادم.
كان إثارة أهمية الوعي الاقتصادي أهم إنجازات الرؤية منذ إعلانها؛ فالمواطنون خرجوا من سكرة النفط إلى التفكير في المستقبل، وقد يفسر ذلك انخفاض النمط الاستهلاكي، وبدء التفكير في البحث عن زيادة دخل الفرد؛ وهو ما يعني أن المجتمع أصبح أكثر تأهيلاً للعمل من قبل.
وبالرغم من ذلك ما زالت أيضًا الإجراءات المكتبية لمعالجة سيطرة الأجانب على سوق التجزئة بطيئة جدًّا، بالرغم من نجاح تجربة توطين محال الاتصالات، والمواطن أصبح مهيَّأ في هذه المرحلة الحرجة لإنجاحها إذا تم إقرار مشاريع التوطين في أسواق التجزئة، والمجتمع يحتاج فقط إلى قرار وآلية تنفيذ من المكتب، وسنكتشف حينها كم تأخرنا في إقرارها، بينما نحن في أمسّ الحاجة لها.
في خلاصة لا بد من معالجة الشلل البيروقراطي في المكاتب أيًّا كانت، وأن يتجاوز الأمر وسائل التعقيد الإجرائية لإخراج رخص العمل اللازمة لبدء المشاريع الخاصة الصغيرة والكبيرة، وقبل ذلك المواجهة بحزم للمصالح الشخصية خلف استراتيجية وأهداف الشلل البيروقراطي في المكاتب.