منصور ابراهيم الدخيل
عندما نتأمل في هذه الحياة وما تزخر به من معطيات مادية ومعنوية، نجد أنها نعمة من الله إذا وُظفت في قنواتها السوية، فالإنسان في حاجة إلى الأكل والسكن والصحة والأمن، وهذا لا يتم إلا من خلال ارتباط الإنسان بخالقه والتفاعل مع الهدي النبوي الذي رسم لنا كيف نتعامل مع الحياة ونحقق العبودية لله وحده دون سواه، آخذين نصيبنا من الدنيا بما يرضي الله، ومحققين الاستخلاف في أعلى درجاته، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين، لأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مستقر، فالإنسان لا يعلم ما تخبئ له الأقدار، لأن أحلام اليقظة أعطاها اهتمامه وغلب الأمل في هذه الحياة على دنو الأجل، وللأسف أن فئة من الناس - وأنا منهم - أصبح هذا ديدنهم، ولكن رحمة الله واسعة، ولا سيما الذين يموتون على عقيدة التوحيد ومتأملين لقول الله سبحانه وتعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}.. الآية. فأخي الغالي محمد بن إبراهيم الدخيل (أبو رياض)، مدير مدرسة الأبناء المتوسطة والثانوية بالحرس الملكي سابقاً، والذي انتقل إلى رحمة الله يوم الخميس الموافق 3-6-1438هـ ويعتبر من الجيل المكافح الذي استطاع أن يتحصل على شهادة الليسانس من كلية الشريعة بالرياض سنة 1395هـ، وجعل الوسطية هي منهجه، والترغيب يطغى على الترهيب، وهذا ما عمل عليه طيلة مشواره التعليمي الذي لمسه زملاؤه وطلابه، وقد ألهمه الله حنكة إدارية فطرية اجتهادية، بالرغم من أن مؤهلاته العلمية لا تتعدى الشهادة الجامعية، فهو يتعامل مع بعض المواقف السلوكية التي يمارسها الطلاب بكل حكمة بعيداً عن الانفعال والإقصاء، إيماناً منه بأن هؤلاء فلذات أكبادنا لابد من احتوائهم والصبر عيلهم، أيضاً ليس بعيداً عن زملائه المعلمين، يحترمهم ويأخذ بآرائهم، ومرتبط بهم خارج أجواء المدرسة من خلال الرحلات وحضور المناسبات، وقد استمر على هذا النهج حتى بعد تقاعده. وهذا ما لمسته من خلال زملائه الذين أدوا صلاة الجنازة عليه وتوافدوا على منزله لتقديم واجب العزاء، ولم يقتصر الأمر على زملائه بل أصدقائه ومعارفه والعمالة الذين تعامل معهم، فهؤلاء جلهم يثنون عليه بتواضعه وتواصله، وهذه نعمة من الله عليه، لأن أسرته أيضاً أكرمها واحتضنها في المناسبات والأعياد والأفراح، ويتفاعل معها وجدانياً وإنسانياً، يقدر كبيرها ويحترم صغيرها، موظفاً كل الوسائل المتاحة لترسيخ التواصل سواء بازيارة أو عبر وسائل التقنية الحديثة. وقد لفت انتباهي في الرسالة التي تبادلها مع أسرته وبعض أصدقائه قبل وفاته بثلاث ساعات، وللفائدة هذا نصها: (إذا اختلفتَ مع أخ أو قريب أو صديق أو زميل عمل وتخاصمتَ معه فلا تفكر أن تضره أو حتى تمسَّه بشيء، فقط فكر في يوم من الأيام أنك كنت عزيزاً عليه، نحن بين رحلة غياب وبين رحلة حضور وبين مبروك هنا ما جاك وأحسن الله عزاءك من هنا نعرف أن الدنيا محطة عبور وانتهاء لا تساوي جناح بعوضة، فلا تسرق فرحة أحد ولا تقهر قلب أحد، أعمارنا قصيرة، وفي قبورنا نحتاج إلى من يدعو لنا لا علينا، فتُدفن مهما كانت قيمتك وستُنسى مهما بلغت مكانتك، لذلك أصنع أثراً جميلاً بحسن خلقك).
أحمد الله يا أخي الغالي أن وفقك لاختيار هذه الرسالة الجميلة التي أسأل الله أن تكون من علامات حسن الخاتمة، سائلاً الله أن يتغمدكم بواسع رحمته وأن يغفر ذنوبكم ويسكنكم فسيح جنته. وأسال الله أن يلهم إخوانه دخيل وصالح وعبد العزيز وخالد وسامي وجميع أخواته وزوجته وأبنائه رياض وعبد الله وعبد المحسن وجميع أسرة الدخيل كافة وأرحامهم ومحبيه الصبر وحسن العزاء.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.