حمّاد السالمي
* كنت أتابع على شاشة التلفزة؛ الأوامر الملكية الكريمة وقت صدورها مساء يوم السبت قبل الفارط؛ وفي الوقت ذاته؛ أرقب الفرحة على وجوه الأبناء والبنات من الموظفين والموظفات. هذه صورة ولا شك؛ كانت تتكرر في كل شبر على ترابنا الوطني الطاهر. فالفرحة بعودة بدلات وعلاوات ومزايا موظفي الدولة مدنيين وعسكريين؛ تنضم إلى ارتياح كافة المواطنين لدعم المناطق الإدارية في عموم المملكة بنواب لأمرائها، وكذلك وضع وزارتي الخدمة المدنية والثقافة والإعلام على طريق الإصلاح الإداري الذي يرتقي بهما إلى مستوى المسئولية من جديد.
* شكرًا خادم الحرمين الشريفين على هذه الحزمة الفرحية التي طالت أكثر من قطاع في الدولة، ومست مشاعر كل مواطن سعودي يتطلع لخدمة وطنه بكل حب وإخلاص.
* بودي أن أنقل كتابة إلى مقامكم الكريم ملكنا المبجل: (سلمان بن عبد العزيز)؛ بخصوص نظام (المناطق والمحافظات)، ذلك أنه مرّ على هذا النظام خمسة وعشرون عامًا بدون تعديلات تمس جوهر التقسيم الجغرافي والإداري والسكاني على وجه التحديد. إن مراجعة كهذه، تعيد صياغة النظام جغرافيًا وإداريًا وسكانيًا، هي كفيلة بدعم مشروع (التحول الوطني2020)، ورؤية المملكة (2030). إن شاء الله.
* لقد تطرقت إلى هذا في مقال سابق بهذه الصحيفة يوم الأحد 3 يناير 2016م.(http://www.al-jazirah.com/2016/20160103/ar3.htm)، وأجد من واجبي العودة إلى الكلام عليه في ظل ما لمسته من حرص قيادتكم الرشيدة على المتابعة الدقيقة، والمسارعة إلى الإصلاح في كافة الميادين التي تخدم المواطنين، وتوفر لهم الأمن والأمان والرخاء.
* عودة إلى ما قبل تسعين عامًا مضت؛ فإن المغفور له (الملك عبدالعزيز آل سعود) طيب الله ثراه، وإثر دخوله الحجاز في بداية تكوين الدولة الجديدة، شرع في ترتيبات إدارية وتنظيمات دستورية تأسيسية مهمة في وقتها؛ فأصدر نظام الانتخابات البلدية في عام 1344هـ/ 1925م، ثم أصدر في عام 1345هـ/ 1926م التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية.. تألف بمقتضاها مجلس الشورى، ثم أصدر نظام مجلس الوكلاء في 1350هـ/ 1931م.. وتوالت النظم السياسية والإدارية آنذاك وفق حاجات المملكة الوليدة.
* ومن يقف على التقسيمات الإدارية التي جرت في بدايات تكوين الدولة السعودية؛ يدرك أنها قامت على أسس قبلية وسكانية أكثر منها جغرافية. ويعود هذا إلى دواعٍ أمنية واجتماعية مفهومة ومقدرة في وقتها، ولكن هذه التقسيمات بقيت على حالها، حتى مع صدور أنظمة للمناطق فيما بعد؛ فقد صدر نظام للمقاطعات في عهد الملك سعود - رحمه الله - بقرار مجلس الوزراء رقم 419 وتاريخ 13/ 5/ 1383هـ، وتوج بالمرسوم الملكي رقم 12 وتاريخ 21/ 5/ 1383هـ. وظل التوزيع كما هو دون تغيير.
* ثم جاء آخر تنظيم للمناطق بالأمر الملكي رقم أ/ 92 في 27/ 8/ 1412هـ، والمعدل بالأمر الملكي رقم أ/ 21 في 30/ 3/ 1414هـ، الذي قسّم المملكة العربية السعودية إلى ثلاث عشرة منطقة. وبموجبه تتكون المنطقة الإدارية من إمارة وعدد من المقاطعات - المحافظات - يختلف عددها من منطقة إلى أخرى. وتنقسم المحافظة إلى مراكز ومجمعات قروية، وترتبط المراكز إداريًا بالمحافظة، وترتبط المحافظة إقليميًا بالإمارة. وتشتمل المحافظات على عدد من المسميات السكانية: (مدن وقرى ومزارع وموارد مياه وتجمع بادية).. إلى آخره.
* إنه وخلال هذه العقود التي مرّت على أول تنظيم صدر قبل ستين عامًا، وثانيها قبل خمسة وعشرين عامًا، تغيرت هُويات هذه المناطق؛ وتغيرت احتياجاتها؛ وتبدلت أولوياتها؛ وتعقدت مطالبها.. وتضخمت مناطق إدارية، واضمحلت أخرى، بينما بقي النظام على ما هو عليه دون تعديل أو تحديث.
* أعتقد أنه حان وقت التعديل والتحديث؛ فمن المهم اليوم إعادة النظر في التقسيم الجغرافي للمناطق الإدارية، ورفع عدد من المحافظات الكبيرة إلى مناطق إدارية؛ فكثير من هذه المحافظات، مثل: (الطائف، الأحساء، تهامة الوسطى، بيشة، حفر الباطن ووادي الدواسر)، وغيرها، كل واحدة منها اليوم هي بحجم بعض المناطق الإدارية الصغيرة، بل أكبر من بعضها بكثير. والمهم أكثر من هذا؛ هو تفعيل دور هذه المناطق في المجالات الإدارية والتنموية، والتخفيف من المركزية؛ لكي تتولى إظهار قدراتها، وتباشر مبادراتها، وتسهم في استثمار مدخراتها وعوائدها المالية، وتعمل على تنمية ذاتها من خلال استقلالية إدارية ومالية مباشرة.
* إن مشروع (التحول الوطني 2020) الذي باشرته المملكة في عهدكم الإصلاحي الزاهر؛ يسعى لتحقيق حزمة من الأهداف المهمة التي حُددت في: (السماح للمرأة بالتجارة، والعزم على تسهيل الإجراءات بما يحقق تذليل العقبات التي تواجهها وتحفظ حقوقها - فرض ضرائب أعلى على استيراد السجائر ومواد التبغ - إيقاف الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء لأصحاب الدخل العالي والتجّار وملاك القصور والمزارع، وحصره على ذوي الدخل المتوسط فما دون - حل أزمة الإسكان - إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية - إزالة المعوقات الإجرائية والإدارية والمالية، وتحفيز القطاع الخاص - تنويع الاقتصاد ورفع المحتوى المحلي - تحفيز الاستثمارات ودعم الصادرات غير النفطية، وعولمة المنشآت المحلية، ودعم الاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاجية- التوسع في الخصخصة- تطوير التعليم العام والعالي). ولأن تحقيق كامل أهداف هذا المشروع النهضوي؛ منوط بكامل المؤسسات الإدارية في الدولة، ومن أهمها إمارات المناطق بطبيعة الحال، فإن نظام المناطق والمحافظات؛ يحتاج إلى تحديث، بحيث يُزاد في عدد المناطق الإدارية، ويصبح هناك وزارة للحكم المحلي، ترجع إليها إمارات المناطق إداريًا، فيخف بالتالي العبء عن وزارة الداخلية، وأن تتمتع إمارات المناطق بصلاحيات أوسع، إدارية ومالية وتنموية، ففي زيادة عدد المناطق الإدارية؛ تسهيل وتخفيف من الأعمال الورقية التي تستنزف الوقت والمال والجهد في قضايا هامشية، ومنح فرصة أكبر لقياداتها ومجالسها للمشاركة بفاعلية في المواءمة بين القطاعين العام والخاص، وتحقيق أهداف مشروع (التحول الوطني)، الذي هو حلمنا في الوصول إلى تحول حقيقي ناجح عام 2020م.