د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
نترقب في بلادنا العريقة المتجددة حضورا مختلفا للثقافة والإعلام في موكبها الجديد بعد أن تسلم حراكها وزير جديد أيضاً، وأمسينا نستشرف خريطة الوصول الجديدة للفكر المثقف الراقي، والإعلام العليم الواعي، ثم أصبحنا نطلب الامتيازات الفوارة لكل ذلك من خلال امتلاك التصور الأكمل لمفهوم الثقافة وانعكاساتها على الوعي العام، ومفهوم الإعلام وارتباطه بكل محفزات البلاد التنموية وحضورها السياسي والدولي، وحيث إن كثيرا ممن يتحدثون عن الإعلام والثقافة لا يملكون الاستقراء الأمثل لتلك المفاهيم؛ فما زالت الثقافة المكتوبة هي متنفسنا الأكمل؟!! وذلكم من عاداتنا التي توارثناها، غير أن الحقيقة أن ترسيخ مفهوم الثقافة يحتاج إلى استراتيجية تعتمد على (المثاقفة) وليس (التثقيف)؛ وقد أثبت الواقع التطبيقي أن التثقيف المعتمد على المرسل والمستقبل لا يمكن أن يحدث فرقا في ذهنية الأفراد، ما لم يقترن بدوائر النقل المتبادل وأن يلامس حاجة الطرفين، وهنا يأتي دور الإعلام ذي البرامج الساطعة الذي يحمل نتاج ذلك التبادل الثقافي وينصب أعلامه، وبما أننا في طور الاحتفاء بالعين الجديدة لوزارة الثقافة والإعلام، فإنَّ لذلك طقوساً ودروباً لأن تجريد الثقافة عن واقع الناس وأد قبل ساعة الميلاد، وتواري النموذج المثقف ليسُنّ السنن الحسنة فقد للمحفز والداعم،، وغموض التصنيف الثقافي ومكوناته الفكرية وهن آخر للفكر الثقافي الصحيح، وضحالة المنتج لقصور الوعي عن الأهمية والحاجة خسارة مدوية، والأخبار الخجولة عن المثقفين ونبضهم، وأنديتهم وجمعياتهم واجتماعاتهم وما يقولون ويفعلون شروع في دفن الثقافة وخواء دارها!!
فمن الطقوس الملزمة لبناء استراتيجيات ممكنة لوزارة الثقافة والإعلام الفصل بين قيمة الثقافات الماضية والإعلام المقولب وما يتطلّبه الحضور الإعلامي والثقافي اليوم من قيمة جديدة، كما يتطلب الواقع التقاط الإيجابيات في منصات الإعلام والثقافة القائمة، ومن ثم البحث عمن يكفل لنا وفرة محفزة للتفكير الإبداعي الملهم لدى أجيال اليوم، وذلك بتسخير الإعلام لاستجلاب التصور الحديث من ملاحمنا الثقافية عبر العصور المختلفة؛ ومن ذلك الشروع في تعصير التراث الثقافي المكتوب ليكون قناة داعمة لتطوير ثقافة النشء مما يؤسس لعلاقات ثقافية مثيرة بين الأجيال؛ فأجيال اليوم تغيب عن كل ثقافاتها السابقة والممتدة إلا اللمم، وقبل ذلك ينبغي النظر بعين فاحصة في المحصول الذي يتوافر لثقافة اليوم ومصادره، كذلك الناتج المسموع والمرئي والمقروء في منصات الإعلام، وأحسبُ أن الزمن والضرورة والحاجة تلزم باستحداث الوقف الثقافي وتشجيع مصادره، ورفد قنواته بتنظيم مرن يحقق أهدافه وأن تكون هناك مراكز ثقافية حكومية وأخرى خاصة للأفراد والمؤسسات ممن يملكون مفاتح الثقافة ويجيدون قيادتها يتفرع منها لجان ثقافية في الأحياء وتحفيز الصالونات الأدبية والمقاهي الثقافية، وصياغة إطار تشريعي مرن يكون دُوُر الوزارة فيه محفز ودود، فالثقافة وإن كانت مكتسبا فرديا إلا أنها من الدعائم المجتمعية القافزة؛ كما أن الحضور الثقافي أيضاً يرقب مسارح عامة وخاصة، وصالات للفنون التشكيلية، ويلزم ذلك أيضاً تحفيز الواقع الثقافي القرائي بإعادة صياغة نظام المكتبات العامة وتحويلها إلى مؤسسات مجتمع مدني مستقلة كاملة التشكيل المؤسسي، وأن يسن لها نظام يمكنها من إدارة القراءة وصناعة المجتمعات القارئة، فذلك التحول يجعل من تلك المؤسسات الثقافية كيانات قوية تستولد لها فروعا في مواقع مختلفة فيزهر واقع الكتاب السعودي في المحافل المحلية والدولية ويعكس ثقافة البلاد عامة، ومن خلال ذلك تدعم الوزارة دور النشر المحلية وتحقق آمال المؤلفين السعوديين، ولعل الكتاب يحظى بواقع جديد من خلال إحداث وكالة للكتاب الوطني في هيكل الوزارة في مركبها الجديد، أما الإعلام فنأمل أن يكون الصوت المقنع الذي تنساب من خلاله قرارات التغيير النامية في بلادنا وتشرق من خلاله محمولات الفكر السعودي الفريد فيصدح في آفاقنا ليصيخ لنا العالم بكل طموحاتنا ومبادئنا وقيمنا العالية.
وختاما نرقب أن يكون في استراتيجية الوزارة الجديدة السعي إلى تمهين صناعة الإعلام من خلال دعم المسارات المعرفية القائمة في مجال الدراسات البحثية الإعلامية في الجامعات، والتنسيق في افتتاح ما يدعم المطلب الإعلامي الجديد ويحقق المنافسة العالمية المبنية على تصدر الحراك الإعلامي وقيادته وليس اتباعه.