ناصر الصِرامي
نحو 45 ألف شخص شاركوا على حساب شخصي على تويتر. كان السؤال: «أين تفضِّل متابعة آراء كتّابك المفضلين مستقبلاً؟». والمستقبل هنا هو اليوم!
النتائج كانت متفاوتة للغاية.. فارق مذهل بين الخيارات؛ 79 % اختاروا تويتر.
4 % فقط اختاروا الصحف الورقية، و8 % فقط اختاروا المواقع الإلكترونية، فيما اختار 9 % وسائل أخرى.
هناك تشكيك مستمر في جدية استفتاءات المواقع مع انطلاقة موضة الاستفتاءات على المواقع الإلكترونية، ثم ارتفعت نبرة التشكيك مع وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سهولة وضع استفتاء عن أي شيء وفي أي وقت. التشكيك بالمشاركين والأسماء الوهمية، أو حتى تحويل الاستفتاءات لخدمة تيار أو أيديولوجيا أو حتى توجيه اقتصادي أو سياسي. وجهة نظر مقبولة، لكن لا يمكن لها أن تغيِّر قيمة هذه المؤشرات أو حتى أهمية الالتفات إليها وفحصها، في ظل غياب مراكز فعَّالة للدراسات والإحصاء والاستفتاءات. وتلك قصة أخرى.
نعود لاستفتاء الـ45 ألف مشارك. رقم لعينة يسيل له لعاب أي متخصص، حتى وإن أخذنا نسبة خطأ وتكرار وتصويت أكثر من حساب، لكن حتى نصف هذا الرقم وبهذا الفارق المذهل في الاختيارات من المتلقي النهائي يستحق رفع صفارات الإنذار، وسرعة فتح المؤسسات الصحفية ملفاتها التقليدية، ومواجهة الواقع بجدية قبل أن تتلاشى!
يقول الأخ خالد العلكمي الناشط جدًّا على منصة تويتر الاجتماعية، وصاحب الاستفتاء أعلاه، في تعليق مباشر طلبته منه على هذه النتائج: «لن أقول تويتر قال كلمته، بل المجتمع قال كلمته؛ لأن تويتر ليس إلا صوت وتمثيل المجتمع الحقيقي». ويضيف العلكمي: «في نظري، نتيجة الاستطلاع طبيعية، وإن لم أتوقعها بهذا الاكتساح. لا شك أن تويتر أسقط النخب القديمة التي فرضها علينا الإعلام التقليدي، وقدم لنا صوت الشارع بلا رتوش».
وعن الصحف الورقية يرى صاحب الاستفتاء أن «عهدها انتهى، وما زالت تتعلق بحبل الإعلان (الرفيع)، الذي يتحول تدريجيًّا لشبكات التواصل والديجيتال». ويختم «لنقرأ الفاتحة على الورق»!
صحيح، لكن هذه مجرد بداية. سنقرأ الفاتحة على الورق كوسيط لنقل المعلومات والرأي، وعلى حدودها وفواصلها ومساحتها التقليدية الضيقة.. لكن نحن الآن في الوقت بدل الضائع المتاح للمؤسسات الإعلامية والصحفية التي تعتمد أرباحها على الورق، ولم تبذل حتى تاريخه أي جهد إضافي لتنويع مصادر دخلها، وإعادة تموضع تأثيرها رقميًّا واجتماعيًّا، كبناء أدوات ووسائط تجعلها قادرة على إيصال محتواها بطريقة فعَّالة وسريعة.
اليوم تلجأ مؤسسات إعلامية دولية لربط إنتاج مراسليها ومندوبيها ونجومها بعقود، تجعل من حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي جزءًا من منظومتها، وتمضي إلى أبعد من ذلك في بناء شبكاتها الخاصة، واستغلال هذه المنصات الاجتماعية لكسب المزيد من المتابعين بأسلوب تسويقي فقط. ذكرت سابقًا أن المؤسسات الصحفية والإعلامية العربية ما زالت تتعامل حتى مع شبكات التواصل كمستخدم مبتدئي وفاشل. فيما أسست اليوم محطة (السي إن إن) أول إدارة إعلامية على وجه الأرض تجمع العالم الافتراضي بالواقعي؛ ليصبحا عالمًا واحدًا إعلاميًّا!
وهناك اليوم تحوُّل مذهل ومرتقب، سيجلب استديوهات الأخبار أو الترفيه أو البورصات لغرفة نومك، أو جلوسك، وستتعايش مع الأحداث حولك: حفلات، انفجارات، ومذيعك أو مذيعتك المفضلة تطلعك على آخر التطورات، وكأنها حضارة كجسد أمامك، وستجد نفسك في وسط أسواق التداول من أي مكان في العالم، أو داخل ملعب كرة قدم، فيما تدور أحداث مسلسلك المفضل أو فيلم السهرة داخل غرفة جلوسك أو نومك.. خيال واسع جامح.. ينذر بتحوُّل وثورة تقنية، ستقلب المشهد الإعلامي والترفيهي بالكامل.. فيما موت الورق مجرد بداية!