«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
تقدر قيمة موازنة التعليم والتدريب بالمملكة في 2017 بحوالي 200.3 مليار ريال، لا يوجد أرقام دقيقة حول مشاركة التدريب فيها، وفي الاعتقاد فإن التدريب لن يقل عن ثلث الموازنة بحوالي 67 مليار ريال، في المقابل تقدر قيمة صناعة التدريب الخاص بحوالي 10 مليارات ريال. ولنسأل أين تذهب هذه النفقات الباهظة؟ ومن يطلب خدمات التدريب الخاص؟
ولماذا وصلت هذه النفقات الحكومية على التدريب إلى هذه القيمة المرتفعة رغم ارتفاع تكلفة موازنة التعليم الحكومي بالمملكة عموما؟
ولنسأل سؤالاً أكثر أهمية: علام تنفق موازنة التدريب الضخمة بهذا الشكل؟ وكم عدد المستفيدين منها؟
5 ملايين مشتغل سعودي
يوضح آخر مسح للقوى العاملة السعودية بالمملكة في النصف الثاني لعام 2016، أن عدد المشتغلين السعوديين وصل إلى 5 ملايين مشتغل، منهم حوالي 1.2 مليون من ذوي أعمار تقل عن 29 عاما، وهي نقطة تميز للعنصر البشري بالمملكة، حيث أن غالبيتهم من الشباب وأصحاب أعمار صغيرة. في المقابل يصل عدد الذين تترواح أعمارهم بين 30 و39 عاما حوالي 1.9 مليون مشتغل، ولو أضفنا هذا العدد إلى سابقه، يصل عدد المشتغلين السعوديين الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما إلى حوالي 3.1 مليون مشتغل، وهي نسبة تمثل 61.4 % من إجمالي المشتغلين السعوديين. أيضا يوجد 1.3 مليون مشتغل سعودي في أعمار بين 40 و50 عاما، ويصل عدد الذين تتجاوز أعمارهم 50 عاما حوالي 654 ألف مشتغل .. بالكاد يتضح أن سوق العمل السعودي هو سوق شباب في شباب.
الحاجة إلى المزيد من التدريب
لما كان عدد الشباب يمثل حوالي 61 % من هيكل العمل السعودي، فإنه تتضح مدى الحاجة للتدريب، لأن هيكل القوى العاملة يكون قائماً على فئات مستجدة ومستحدثة وربما تتطلب المزيد من بناء القدرات.
صناعة التدريب والـ 77 مليار ريال
الإنفاق الحكومي على تدريب القوى العاملة يصل إلى حوالي 67 مليار ريال، وهي قيمة الإنفاق الموازي بجانب التعليم، في المقابل تصل صناعة التدريب بمراكز التدريب الخاصة إلى 10 مليارات ريال، حيث يوجد العشرات من مراكز التدريب الأهلية التي تقدم دورات وبرامج متخصصة.
إنفاق 77 مليار ريال على القوى العاملة السعودية
حجم هيكل القوى العاملة السعودي يصل إلى 5 ملايين، ويمكن تقسيمه إلى ثلاث فئات رئيسية، فئة الشباب 3.1 مليون شاب، ونحو 1.3 مليون مشتغل في عمر النضوج ما بين 40 و50 عاما، وحوالي 654 ألف مشتغل في أعمار تزيد عن 50 عاما. تقوم نظريات التدريب الحكومي على تدريب الشباب في أعمار تقل عن 30 عاماً، لسببين: أولا: لأنهم في العمر المبتدئ ويحتاجون إلى تأهيل وتدريب إضافي عن القدرات التعليمية التي تلقونها في المدارس والجامعات، وثانيا لأن المملكة تقود وتستهدف سياسة للتوطين تسعى لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة التي لطالما سيطرت لفترات طويلة على سوق العمل المحلي. وثالثا: لأن القطاع الخاص قليلاً ما يتقبل الشباب السعودي المبتدئ بدون تأهيل كافٍ، لأن قبوله بناء على العنصر الوطني قد يؤثر بشكل أو بآخر على قدراته التنافسية.
القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني والتدريب
الاقتصاد الوطني يقوم على عنصرين: قطاع حكومي وآخر خاص .. الأول يمتلك عمالة تناهز المليون مشتغل، وهي تحتاج لتأهيل وتدريب، وقلة ونقص تدريبها معناه زيادة الهدر وانخفاض الكفاءة وتراجع حجم وكفاءة وفعالية الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور أو للقطاع الخاص. وفي النهاية ستؤثر على القدرة التنافسية للدولة أولا والاقتصاد الوطني ثانيا والمجتمع المحلي ثالثا.
والأهم من ذلك، هو قدرة وتنافسية القطاع الخاص، والذي عندما يعتمد على عمالة بمهارات منخفضة فإن قدرته التنافسية ستتراجع، وهو يحتاج لكوارد شبابية ولكنه بحاجة المؤهلة بشكل أكبر.
لذلك، فإن نفقات التدريب التي تصل 66 مليار ريال لو افترضنا أنها تنفق على فئة الشباب المبتدئ وهذا هو المحتمل الأكبر، فإن نصيب الفرد المشتغل منها يصل إلى 25.1 ألف ريال سنويا، وهي قيمة مناسبة ومقبولة وتعتبر مرتفعة مقارنة بمستويات كثير من الدول المتقدمة.
هذه القيمة نحتاج لوضع خطط استراتيجية لاستغلالها بأفضل السبل، بحيث يتم الاستعاضة عنها بالمستقبل، فلا يعقل أن تتحمل الموازنة الحكومية مثل هذا الرقم الضخم سنويا.
برامج التدريب الحكومي المرتبطة بالتوظيف
تقدم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية برامج تدريب مدعومة بالتوظيف للشباب السعودي، حيث تقدم الراتب أو نصفه لفترة من الزمن بحيث يسهل توظيفه بالقطاع الخاص، وهي سياسة ممتازة وأدت إلى رفع معدلات توظيف العمالة الوطنية، ولكنها في نفس الوقت تؤثر بشكل أو بآخر على ارتفاع معدلات الدوران الوظيفي للشباب السعودي المبتدئ، والأعلى خطورة أن هذا الدوران المرتفع يعتبر عدم استقرار وظيفيا في شركات القطاع الخاص، وهو في حد ذاته مدعاة لتدني وانخفاض القدرة التنافسية لكثير من الشركات.
لذلك، فإن الحكومة ممثلة في وزارة العمل تحتاج لفرض تقنين يفرض بقاء الشاب الذي يتم توظيفه في شركة خاصة، تضمن بقاؤه واستمراره لأن الشركة حتى لو كانت وزارة العمل تغطي الراتب أو جزءا منه، فإنها قد تحملت وقامت بدورها الوطني لتأهيل الشاب وقبوله بحالته الأولية. نحن بحاجة إلى النظر للعنصر البشري على أنه الأعلى أهمية للقدرة التنافسية للشركات، مثلما ننظر إلى قضية التوطين، لأن كل إضعاف أو تدنٍ للقدرات التنافسية للشركات يعني فشل أو خروج عدد منها، وبالتالي يؤثر على القدرة الاستعابية للقطاع الخاص ككل في المستقبل على توظيف المزيد من الشباب السعودي.
ولهذا فنحن مثلما نحافظ على الثمار، ينبغي أن نحافظ على الشجرة نفسها، بحيث نضمن المزيد منها في المستقبل