د. خيرية السقاف
يملأ كثير منهم فراغ وقته بالعودة إلى الماضي, يبحثون في الملفات العالقة في وحل الأحداث يسترجعون الأسماء والأدوار, في قضية فلسطين التي ليس لها بعدُ إلاّ أهلها الذين يحرصون مهما شحت مواردهم على التوالد بزيادة الإنجاب ليكونوا الدرع, والرمية, كالذي يموِّن فُرنه بالحطب, فنرى صغارهم يقفون بقوة الجند في وجه السارق المحتل بعَلَم وطنهم حزيناً بين أعلام الأمم, وبأصابع تعبر عن رغبة النصر, وعزيمة الصبر, لا يبالون بقوة السلاح الذي يحمله, ولا برجولة حامله وهو يفتش بيوتهم عنوة!!
وفي الواقع أنّ طيلة النصف قرن ونيف فإنّ كل قادة العالم الكبار يضغطون رؤوس هؤلاء الصغار ليدسوها في الثرى كي لا يكبروا بأيسارهم, ثم يلوحون بأيمانهم السلام, دعوى زائفة, وجور مشين..
يحدث الآن على سبيل المثال أن تعود صور كبار العالم المتسيد فوق خريطة الأرض من مضوا وبقيت آثار حرائقهم, ومن يمارسون أدوارهم , ومن على شاكلتهم, وضمن خططهم ممن كان معهم في صنع الرمية بالغة النفاذ تلك التي دمرت العراق, وأدمت دجلة والفرات, وأغرقت أهلها في دمائهم, وفي كل الأحداث التي شملت الشرق العربي, سوريا, ليبيا, مصر, البحرين, اليمن, جنوب السودان, أفغانستان, تركيا, والبحث جار في جميع الملفات وسيبقى..
ولسوف «يدس» التاريخ أهم السطور, وأقوى الأصوات في جلباب ما, ضمن فيضة البركان, ببلسمة جروح المحترقين بزبدة الكلمات, والوعود المنمقة, ودعاوي القوة, وهيمنة القرار..
والعالم «المنكوب» بألمه واقعاً في اللهب, أو مكتوياً بحموته, أو قريباً من مشهده, أو ذا مساس روحي بمن فيه يلهث في السؤال, ويغرق في التكهنات, ويحفر في الذي كان, ويسأل عمن فعل..
لكن الخلطة السرية لهذا الشر الشاسع, الرابض على الشرق العربي, الكامن في فخاخ دروبه, المتزي بلباس الناصح, والمعين, والداعم, والصديق, لا يزال ينشئ بها الفخاخ , ويصنع الأقواس, ويعد الرميات, وينشر ضحكته العريضة في سمائه ظاهرها وجه صديق, وباطنها صعلوك متستر يتربص بها في الطريق, هو ذو الوجهين وحده ذو الوجهين!!..
هو الذي يهدر الكثيرون وقتهم في الكلام عنه, والثرثرة حوله, ويبدون دهشة الانبهار به, فهو الرجل الأنيق, ذو البزة المرتبة, وربطة العنق الملونة, والإيماءة الذكية كلما حقق نصراً وبلغ غاية, وهم منبهرين ويتمادون..!!
إن لسان الحال يقول: اللهم أنت القادر أرِ كلَّ المغدورين يوماً من عذابك فيه, أنت رب المستضعفين ربهم, وأزح عنه لهم ستر كمائنه, فينكشف وجه حقيقته للسائلين !!..
اللهم كن للفلسطينيين نصيراً, وللسوريين منقذاً ورحيماً, وللروهينجا البورميين مؤيداً وحفيظاً, وللعراقيين هادياً ودليلاً, وأنزل رحماتك بكل المسلمين حيث يكونون, المستضعفين منهم, والمظلومين, لا تكلهم لأنفسهم, اكشف همهم, أذهب بأسهم, طهر غشهم, زد في يقينهم,
وألجم يا الله عنهم فوهة البركان, وغدر فُجاءاته, ونواياه..
واحفظ أوقاتهم من هدر السؤال..!!