ربما تفرض علينا أحيانًا متغيرات وهموم الحياة الاجتماعية التفكير في طرح قضايا تتعلق بإضافة بنود جديدة في الأنظمة واللوائح الخاصة بنظام العمل والخدمة في القطاع الحكومي والقطاع الخاص؛ وذلك لمواكبة مستجدات الزمن الذي نعيش فيه، ومسايرة التقلبات في متطلبات الحياة الاجتماعية المتغيرة. وعمومًا، فإن مبدأ التغيير والتجديد ليس غريبًا، بل إنه يُعد أمرًا طبيعيًّا في كل النظم الإدارية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية في كل دول العالم؛ فالأنظمة واللوائح والقوانين الإدارية العامة تغيرت عبر عشرات السنين الماضية، ولا تزال الحاجة إلى التغيير والتعديل تفرض نفسها؛ لتنسجم وتستجيب للظروف الاجتماعية المتجددة في حياة الموارد البشرية والقوى العاملة في مختلف مجالات العمل في القطاعين الحكومي والخاص.
إن إقرار إضافات جديدة لقانون الخدمة المدنية سيشكل نقلة نوعية في التعامل الجيد مع الآثار السلبية التي تطرأ على وتيرة أداء وجودة العمل في ظل الفراغ الذي سيتركه غياب الموظف أو الموظفة عندما يتعرض أي منهما إلى ظروف صحية أو اجتماعية طارئة، تحتم عليه أو عليها الانقطاع عن العمل لفترة زمنية محددة.
من هنا ينبغي التفكير في آلية جديدة لمواجهة مستجدات الأمور في الفترة الزمنية التي ينقطع فيها الموظف عن أداء عمله. فالمعلمة أو الموظفة التي تريد الحصول على إجازة أمومة مثلاً، أو الموظف الإداري الذي يتعرض لحادث عرضي أو وعكة صحية ما، أو الموظفون المهنيون كالمهندسين والأطباء الذين يتعرض أي منهم لظروف قاهرة ومفاجئة.. نظراؤهم أو زملاؤهم في مقر العمل قد لا تسمح لهم طبيعة الظروف بتحمل أعباء إضافية لتغطية فترة الغياب أو الانقطاع عن العمل. وحتى فيما لو تم إيجاد البديل من بيئة العمل نفسها فمن المؤكد أن جودة ومعدل إنتاجية العمل لن تكون بالمستوى نفسه إذا ما أوكلت للبديل مسؤوليات وأعباء إضافية لملء الفراغ الذي نجم عن انقطاع الموظفين عن العمل.
وانطلاقًا من مبدأ التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، وإتاحة فرصة المشاركة في البناء والتنمية لكل المواطنين، فليس هناك ما يمنع أو يحرم الاستعانة بالصديق أو القريب أو الجار؛ لكي يكون بديلاً جاهزًا عن الموظفين الذين تعرَّض أي منهم لظروف صحية أو اجتماعية، فرضت عليهم عدم القدرة على ممارسة مهام عملهم في وقت معين. ونحن نعلم أن لكل موظف الحق في الحصول على إجازة اضطرارية، ولكن عبء العمل سيؤول إلى موظف آخر؛ وبالتالي حدوث انخفاض في مستوى أداء العمل ومعدل الإنتاجية إذا ما قَبِل الأخير على مضض القيام بمهام وظيفتَيْن في آن واحد.
ولكن عندما تتم إضافة فقرة قانونية لنظام الخدمة؛ لكي تسمح للموظفين الراغبين في الاستعانة بأي من أقاربهم أو أصدقائهم الذين تنطبق عليهم شروط بشغل الوظيفة مؤقتًا فسوف نساهم حينئذ في إيجاد فرص عمل ولو مؤقتة للعاطلين المؤهلين أو للمدرجة أسماؤهم على قوائم الانتظار؛ إذ سيعطَى البديل أجر أو مكافأة مالية عن الفترة التي قضاها نيابة عن الموظف الذي أجبرته ظروف حياته على الانقطاع عن العمل.
لا شك أن تعديلاً كهذا في القواعد واللوائح المنظمة للخدمة والدوام الرسمي سوف يسهم في تطبيق مبدأ التعاون الاجتماعي من ناحية، وإيجاد دخل مادي للعاطل عن العمل، ويتناسب الأجر مع طول فترة العمل المؤقت. كما أن تطبيق نظام كهذا سوف يمنح البديل خبرة عملية قبل دخوله سوق العمل، وهي خبرة تدريبية مجانية للقطاعين الحكومي والخاص, ولن تحتاج إلى بند مالي جديد في الميزانية العامة للدولة لطالما أن مبلغ هذا الأجر أو المكافأة سيُخصم من راتب الموظف الراغب في الاستعانة بشخص معين لفترة زمنية معينة؛ ليُعطَى لاحقا للبديل الذي مارس العمل بالكفاءة والمؤهلات نفسها.