عبدالعزيز السماري
عندما يتناول كاتب غير متخصص في الاقتصاد الشأن الاقتصادي، فيعني أن الأمر تحوَّل إلى شأن ثقافي واجتماعي، فعلى سبيل المثال أخذ خبر استمرار تراجع احتياطي النقد الأجنبي في السعودية بعداً ثقافياً وإعلامياً في الأيام الماضية، وقد تحول الخبر إلى شأن شعبوي، وتبوأت أخباره صدارة التغريدات المتتابعة في مارثون الإعلام الاجتماعي.
لأسباب لها علاقة إما بالوعي المرحلي أو التعبير عن حالة خاصة، قد تتحول بعض الأخبار إلى أشبه بكرة الثلج، التي تبدأ صغيرة في المنحدر، ثم تكبر كلما وجدت المساحات الكافية للتضخم والتسارع في اتجاه الأرض الأدنى، وإذا لم يتم إيقافها منذ البدء تكبر وقد تصل إلى كتلة ضخمة.
لم يعد الخبر الإعلامي في وسائل الاتصال الاجتماعي كالخبر في زمن الإعلام التقليدي، فالبَثُّ تحوَّل من قناة واحدة إلى ملايين القنوات، وسياسة الحشد والتجنيد تعتمد على درجة الإثارة والتشويق في معظمها، لكن غياب التفسير المقنع قد يحولها إلى مادة دسمة في هذا الفضاء الواسع.
واجه الاقتصاد مطبات من العيار الثقيل، كان أبرزها تدهور أسعار النفط إلى أرقام منخفضة، لكن رحلتها في التعافي قد تكون بدأت بالفعل، وقد يسهم في تخفيف عوامل التدهور، لكن ذلك يحتاج إلى جهود جبارة من أجل إعادة الثقة إلى الاقتصاد السعودي، وذلك عبر الخروج من خط الاعتماد على النفط، وتحويل البلاد إلى خليَّة عمل.
ما يشفع للخبر أن مؤسسة النقد السعودي لم تتوقف عن إصدار بياناتها الشهرية عن الاحتياطي النقدي، وهو ما يعني وجود قدر عالٍ من الشفافية، ولكنه يتطلب مع ذلك مزيداً من التفسيرات لكل علامات الأسئلة التي تُثار من قبل المختصين.
ولعل السؤال الأكثر سخونة في هذا الشأن عن عوامل الوصول إلى هذا الوضع في ظل دولة ثرية في حجم المملكة، والأهم من ذلك سخونة الأجواء الإعلامية بهذا الخبر، مع العلم أن أوضاعنا في أواخر الثمانينات والتسعينات كان أكثر تدهوراً، ولم نصل إلى هذه الدرجة من التشاؤم.
قد أشبع المختصون وغير المختصين الموضوع طرحاً، وربما ما يفعلونه هو نوع من الخوف المبطن على اقتصاد الوطن الغالي، وأرى في ذلك أمراً مشروعاً إذا لم يتجاوز الإساءة أو غيرها من عبارات الخروج عن النص، وقد حاولت أن أفهم أبعاد الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ اكتشاف النفط.
فوجدتها بحسب آراء المختصين تنحصر في ثلاثة محاور، أولها أن الأزمة في الوطن لم تقتصر على اعتماد الميزانية على النفط فقط، بل على اعتماد الاقتصاد المحلي على الإنفاق الحكومي بشكل كبير، فعندما تدهورت أسعار النفط بدأت بوادر الأزمة في الاقتصاد من تسجيل عجز مالي، وبدأت الحكومة في معالجة العجز بخفض الإنفاق على المشاريع.
ثانيها الاعتماد على الخطط الإستراتيجية على استقطاب الأموال الأجنبية للاستثمار في الوطن، وهو خيار عملي، لكن الوطن يفتقر إلى العمالة الوطنية الخبيرة التي ستعمل في الشركة الأجنبية، وإذا كان الحل هو استيراد العمالة المستوردة، فمن الأولى والأجدى لهذه الشركات الاستثمار في دول شرق آسيا مصدر العمالة الأرخص في العالم.
وثالثها مسألة تحصيل المال من بيع المكاسب الوطنية عبر التاريخ، وهل سيكون الحل المنتظر في مهمة تحويل الاقتصاد إلى حقيبة استثمارية كبرى على غرار النرويج، ويُستفاد من ريعها للصرف على المشاريع، ربما..!، وربما لن يخرج الحل الأمثل لاقتصاد الوطن من تطوير اليد العاملة السعودية للعب دور أكبر في الحياة العملية والاقتصادية، وبالتالي تحول الثروة الوطنية إلى الموارد البشرية بدلاً من الأوراق المالية.
أخيراً يجب أن نتعامل مع ثورة الإعلام بمزيد من الذكاء والعقلانية والحكمة، فأحياناً التواصل الصريح معه قد يلبي الغرض، وقد تقلل التوضيحات من قدرة تماسك وجسامة كرة الثلج في منحدرات التواصل الاجتماعي الواسعة.. حفظ الله الوطن.