د. عبدالواحد الحميد
طرح رئيس محكمة التنفيذ بمنطقة الرياض في لقائه بالمحامين في غرفة الرياض التجارية أخيراً أفكاراً تستحق التأمل عمَّا قال إن التجارب قد أثبتته حول حبس الأشخاص الذين لا يسددون ما عليهم من التزامات مالية، فهو يرى أن الحبس غير مجدٍ لأن الشخص المحبوس إما أن يكون شخصاً فقيراً وبالتالي لن يستطيع الوفاء بدينه وهو محبوس مما يضطر الدائرة المعنية إلى إصدار حكم بإعساره، وهذا يؤدي إلى «حرق جميع أوراق المطالب بالتنفيذ». أو أن يكون المحبوس تاجراً، وهذا يؤدي إلى توقف منشأة قائمة وبالتالي إبطاء محاولات طالب التنفيذ للحصول على حقوقه.
وتؤكد التجارب، بحسب الشيخ عبدالله البهلال رئيس محكمة التنفيذ بالرياض، أن الحبس لم يكن مجدياً إلا بما قد لا يتجاوز نسبة عشرة بالمائة!! وأن هناك حلولاً أخرى أكثر جدوى مثل منع الشخص من السفر وإيقاف خدماته الحكومية وتعاملاته مع المنشآت المالية.
ما طرحه رئيس محكمة التنفيذ بالرياض حول عدم جدوى الحبس في بعض القضايا هو ما تؤكده تقارير أخرى عن تجارب الكثير من بلدان العالم، فالحبس الذي قد يكون ضرورياً في بعض الحالات تكون نتائجه سلبية جداً في حالات أخرى.
هناك مجرمون ينبغي إبعادهم عن المجتمع ووضعهم داخل أربعة جدران لحماية المجتمع من أذاهم، أما في بعض القضايا الأخرى فإن الحبس ليس فقط غير مجدٍ وإنما ينتج عنه مآسي مدمرة تقع على الشخص المحبوس وعلى أسرته.
الحبس تجربة رهيبة، وقد يخرج المحبوس من الحبس وقد تحوَّل إلى مجرم حقيقي يحمل الحقد والكراهية ضد المجتمع بسبب ما قد يكون تعرض له داخل الحبس من تجارب مؤلمة واختلاط مع مجرمين حقيقين يستحقون الحبس.
عرضتْ قبل مدة محطة البي بي سي البريطانية فيلماً وثائقياً مثيراً تم تصويره من داخل أحد السجون في بلدة روسية عن تجارب بعض المسجونين وما يتعرضون له من اعتداءات داخل السجن من عتاة المجرمين، وكيف أنهم خرجوا من السجن سابقاً ثم عادوا إليه مرة أخرى، لأن تجربتهم الأولى في السجن دمرتهم تماماً فأصبحوا محترفين للجريمة.
قد تكون الحالة التي أشرت إليها عن تجربة السجن التي عرضتها القناة البريطانية متطرفة واستثنائية، وهي ليست في حكم المقارنة مع سجون المملكة التي تعامل السجين بإنسانية عالية، لكن الشاهد هنا هو أن السجن قد لا يكون مجدياً في جميع الحالات، وهو في حالة الإعسار أو الامتناع عن الوفاء بالحقوق المالية ليس مجدياً بحسب التجربة التي تحدث عنها رئيس محكمة التنفيذ بالرياض. لذلك، فإن الأفضل هو بالتأكيد اللجوء إلى حلول أخرى كتلك التي أشار إليها الشيخ البهلال.