د. خيرية السقاف
مع أنهم ينبذون الفئوية غير أنهم لا يخرجون عن أسيجة فئاتهم قيد أنملة..
مع أنهم يتشدقون بالشراكة وقبول الآخر فإنهم لا يتقبلون غير آراء بعضهم
إنهم يتمادون في القيد يحصرون حواسهم مشنَّفة لمن يشبههم, لا يسمعون لغير أصواتهم وصوته,
لا يقرأون لغير ما يكتبون أنفسهم وهو,
لا يرون محاسن سواهم إلا ما كان من محاسن شركائهم في الرأي, والموقف, والهيئة, والدهشة..
الغريب أنهم يتكتلون داخل سجونهم ويدعون الحرية,
والغريب أنهم يهاجمون ما يختلف عنهم ولو بسلاح ناعم يوغر كما الشوكة وفي ظنهم أنهم الأصوب, الأصدق,
حريتهم مقيدة بهم, ومقيدون هم في حدودها..
تعرفهم بصفاتهم, ومسلكهم, تراهم في توجههم وحدود حركتهم,
تقرأهم لا يتحدثون إلا مع بعضهم,
تسمعهم لا يندهشون إلا ببعضهم,
تشهدهم بألوانهم المميزة, وأسمائهم المحددة, ومنطقهم الواحد, وأفكارهم تدور في حلبات وجهات نظرهم, وذائقتهم, ورؤيتهم, ومنطقهم,
يقيدون غيرهم بأحكامهم فيهم, بينما هم يحصرون أنفسهم في دائرة تضيق بهم!!
هم في مضمار واحد يتحركون, ومع بعضهم يتجاذبون, ينظرون لغيرهم شذرا, أو لا ينظرون إليه البتة!!
كل من هو خارج عنهم, مختلف في نهجه, وأسلوبه, وفكره, وسلوكه منبوذ فيهم,
وكل ما لسواهم من نظرائهم لهم عليه مأخذ, مع أنهم لا يكلّفون أنفسهم سبباً لتحريك حجر صلب وضعوه بينهم وبينه, وإن اختلف معهم بتفوق عليهم, أو جاراهم في مثيل بتميز عنهم,
مع أن دعوى القبول في الاختلاف هم أول من يتشدق لها,
والتصدي للحرية في العموم هم أول من ينشدها!!..
لكن كيف يكون هذا التناقض الفاحش؟!
هؤلاء يربكون المفاهيم الكبرى,
يعطلون مسارها, يطمسون مواطنها الدقيقة, يشوهون دلالاتها
بل يُفرطون في تأخير مثولها سلوكاً وتعايشا..
هل تعرفهم؟
إنهم في أبراج ذواتهم يترفعون, مع أنهم ينزلون للساحات مدججين بغرورهم,
مع بعضهم يتحركون, وحول أنفسهم, وأشباههم يطلقون الأبواق, والأضواء,
لا يطلون من نوافذهم إلا على بعضهم!!
لا تصعب عليك معرفتهم!!