يوسف المحيميد
صحيح أننا نمتلك اقتصادًا من أقوى اقتصادات دول العالم، جعلنا ضمن دول مجموعة العشرين، ولدينا ثروة نفطية، وصناعة بترولية متقدمة، ونمتلك شركات كبرى في مجالات البترول والبتروكيماويات والتعدين، وصحيح أيضًا أننا من الدول القليلة التي استطاعت تجاوز كثير من الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، حتى أصبحنا نجزم بأننا قادرين على تجاوز الأزمات التي تضرب اقتصادات دول العالم.
كل هذه المزايا الضخمة لاقتصادنا، والثروات الطبيعية الغنية والوافرة في كل أنحاء المملكة، من البترول والغاز والتعدين كالذهب والنحاس الفوسفات والبوكسايت وغيرها، وكل هذه البنى الجديدة التي تقوم بها الدولة، لا تعادل أهميتها الثروات البشرية، والطاقات الشابة التي تتمتع بها بلادنا بتنوعها وغناها، فمنذ أن انطلق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، ونحن ننافس الدول الطموحة في أعداد المبتعثين، كالصين واليابان وكوريا وغيرها، لكن المثير للانتباه هو عدد الطلاب والطالبات الدارسين في الجامعات الأمريكية، الذين كنا ننتقد عدم التحاقهم في الجامعات الأقوى في أمريكا، لكننا اليوم نفخر بشبابنا وشاباتنا، حيث يدرس نحو 533 منهم في أقوى عشرين جامعة أمريكية، بينهم 186 يدرسون في أقوى عشر جامعات أمريكية، ومن هذا الرقم يوجد 36 طالبا وطالبة يدرسون في جامعة هارفرد الجامعة الأقوى والأكثر شهرة في العالم، و23 طالبا وطالبة في جامعة ستانفورد الأمريكية، إن هؤلاء هم الثروة الحقيقية التي يجب الاعتداد بها والمحافظة عليها.
هذه العقول التي ستنجز أبحاثها العلمية قريبا، وتحصل على درجات الدكتوراه والماجستير، سيكون دورها كبيرا في التغيير، وفِي صناعة المملكة، ووضع المملكة الجديدة في مستوى الدول الكبرى في العالم، وستقود البلاد إلى منجزات علمية وفنية تغير وجه المملكة تماما، وها هي ملامح التغيير بدأت على كافة المستويات، والعمل يجري بسرعة تجاه المستقبل من خلال رؤية المملكة 2030، الذي سيكتمل بعودة هؤلاء المتميزين، الذي سيقودون اقتصادنا ونهضتنا الجديدة.
لكن، كل هذا الفرح والتفاؤل بقدرات هذه العقول الفذة، لن يكتمل ما لم نكن حذرين تماما، وما لم نستفد من تجارب الآخرين، تلك الدول التي فقدت عقولها المفكرة بهجرتها واستقرارها في هذه الدول المتقدمة، فالجميع يعرف أن أمريكا من الدول المبادرة في جمع هذه العقول الفذة وإغرائها بالبقاء فيها، ومنحها كافة التسهيلات والامتيازات والإغراءات من خلال الجنسية، لكي يصبحوا مواطنين أمريكيين، وهذا ليس بعيدا على شبابنا وشاباتنا هناك، بالذات في هذه الجامعات العريقة، ما لم نبادر ونجهز لهم المكانة التي يستحقونها في بلادهم، ونمنحهم كافة الامتيازات التي يستحقونها، ولا نبعدهم عن مجالاتهم العلمية وتخصصاتهم النادرة، بل ندعمهم مستقبلا بالبرامج والدورات المهمة في الدول المتقدمة، ليبقوا مع مستجدات مجالاتهم وتطورها.