مها محمد الشريف
القضايا التي تنشأ في محاضن الفكر البشري تنتج سماتها وخصائصها من تفاعلاتها الذاتية والتطرف نموذج مشين لتلك المحاضن، وربط الإرهاب والتطرف بالأديان ومعتقدات البشر أحد تعقيدات التعامل مع هذا الفكر وهذه الأزمة العالمية وأحد محركات الأحداث فيها وصمودها، فبعد مضي عدة سنوات في مواجهة تلك التحديات وبذل الكثير للقضاء عليها، وعلى أسبابها وللحد منها يتضاعف اليوم خطر الإرهاب والتطرف ويبدأ في طرح ذرائعه من جديد لتبرير العنف.
ولا تزال ذاكرة العالم تحتفظ بمبادرةالملك عبدالله -رحمه الله - ودعوته لحوار أهل الأديان السماوية، وعقد المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة عام 2008 بحضور أكثر من500 شخصية إسلامية تمثل50 دولة معنيةً بهذه الأزمة وحضره عدد من الشخصيات المتفقة كليا على الحوار والتعايش وحينها سلط المؤتمرالضوء على الأحداث الجارية والصراعات التي تغذي الإرهاب ورصد المؤتمر الكثير من المتغيرات والعوامل المختلفة التي لها في الزمن المعاصر أهمية عظمى.
وبقدر كبير من الوعي نادى الملك عبدالله «لمواجهة تحديات الانغلاق والجهل وضيق الأفق ليستوعب العالم مفاهيم وآفاق رسالة الإسلام الخيرة دون عداوة واستعداء.. وأتت دعوته لهذا الحوار لشعوره - رحمه الله - بالمسؤولية الكبيرة نحو أهمية حماية الإنسانية من ضرره البالغ على الأمم.
لاشك أن هذه المواقف النبيلة حاضرة في أذهان قادة العالم والشخصيات القيادية حول ماحملته تلك المبادرة الأولى من نوعها لتعزيز الشراكة ولإن بناء علاقة تفاعلية متبادلة سيحد من تنامي الأعمال الإرهابية، وتتيح فرصة استشراف المستقبل كأحد أهم عناصر العلوم الاستراتيجية لتطوير الإنسان وإدراكه وأحد الغايات التي تعمل المملكة على تحقيقها من خلال رؤية 2030، ويمكن للعديد من المعطيات الإيجابية التي تشهدها الساحة الدولية أن تكشف عن كثير من التداعيات التي ستسهم في تحجيم الإرهاب والدفع نحو التعايش والتسامح..
فشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قال: «إن جميع الأديان بريئة من تهمة الإرهاب»، و أن «السياسات الكبرى الظالمة» هي السبب في نشوء هذه الظاهرة، و»يجب أن نعلن للإنسانية جميعا أن الأديان بريئة من تهمة الارهاب وأن «الإرهاب الأسود الذي يحصد أرواح المسلمين والمسيحيين في الشرق لا تعود أسبابه إلى شريعة الإسلام مهما كان اسم الجهة التي تقف وراءه والراية التي ترفعها، وإنما تعود إلى سياسات كبرى ظالمة».
يدرك العالم أن الإرهاب معضلة العصر، ففي الوقت الذي كانت فيه الخطط والاجتماعات تتوالى من أجل الأمن في سيناء وخلق مزيد من الفرص للقضاء عليه، يدوّي في مكان آخر انفجاران داميان استهدفا كنيستين مصريتين وأوديا بحياة العشرات من الأبرياء،وبعد عدة أيام من التفجير الإرهابي زار بابا الفاتيكان مصر لمدة يومين التقى خلالها الرئيس السيسي وشيخ الأزهر وعدد من المسئولين المصريين في زيارة حاملةً رسالة سلام للعالم، وتأكيدًا على وحدة أصحاب الأديان السماوية، ومخاطبة العالم من خلال مؤتمر عالمى مشترك مع شيخ الأزهر..
وهنا وصفت صحيفة «الجورنال» الإيطالية زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان إلى مصر بـ»الناجحة تماما»، وأثبتت أن مصر بلد الأمان، واستطاع البابا نقل رسالة أمل من شأنها أن تساعد الشعب المصرى على التغلب على الإرهاب، كما أن البابا دعم الكنيسة القبطية».
ثمة حراك من أجل السلم والسلام في العالم وحتماً سينتصر مهما زادت وتيرة العاملين على المكاسب الدينية في أنشطتهم المشبوهة لأن الأمن مطلب البشر المقدس.