ثامر بن فهد السعيد
نشأ قطاع التأمين في المملكة العربية السعودية في بدايته عبر تأسيس شركة التعاونية للتأمين وكما جرت العادة فالدولة دائما تلعب دورا أساسيا في توجيه الاقتصاد والاستثمار نحو أي قطاع حديث في المملكة فكانت التعاونية ذات ملكية حكومية قبل أن تطرح للاكتتاب العام لتكون أولى شركات القطاع في السوق المالية السعودية ومنذ العام 2007 بدأ المستثمرون في المملكة والقطاع الخاص جولة كبيرة في تأسيس سوق كبير للتأمين ولا شيء أكثر دلالة على ذلك من حجم عدد شركات التأمين المدرجة في السوق المالية السعودية إذ تجاوز عددها 35 شركة ساهم عدد من البنوك والشركات المالية والخاصة في تأسيسها إما عبر رؤوس أموال محليه صرفة أو عبر الدخول في شراكات مع شركات تأمين عالمية تمتلك الخبرة في إدارة أعمال التأمين ومنتجاته.
اتسم القطاع وشركاته المدرجة في السوق المالية بسمة المضاربة البحتة أو كما يحلو لعامة المستثمرين تسميتها بالشركات الورقية إذ أن أرقام هذا القطاع لم تبدأ بالتحسن إلا في العام 2013 م وإن كان هناك حالات فردية لشركات تمكنت من الوصول إلى النضج التشغيلي مبكرا، رغم ذلك لم تنجح الشركات في جذب الأنظار إليها وإلى حجم الأرباح التي حققتها إلى مؤخرا فأصبحنا نسمح من المهتمين في الاستثمار حديثهم وتحليلها للقطاع خصوصا مع القفزات الكبيرة في الأرباح المجمعة للتأمين في السعودية وكذلك بعد القفزات الملحوظة في حجم الأقساط المكتتبة في المملكة.
لعبت التشريعات الحكومية في السنوات الماضية دورا مهما في إحياء القطاع وشركاته من خلال أنظمة التأمين الإلزامية سواء لموظفي القطاع الخاص من مواطنين ومقيمين وكذلك من خلال تأمين المركبات الإلزامي ضد الغير أو التأمين الشامل على المركبات بسبب رواج برامج تمويل السيارات حيث يبقي الممول سيارته تحت غطاء تأميني شامل لحين الانتهاء المشتري من سداد الالتزامات المترتبة على هذا التمويل وبجانب الفئتين هذه تأتي منتجات التأمين الأخرى ذات الحظ الأقل في طلب العملاء سواء كان تأمين السفر أو الممتلكات أو المشاريع وعلى مستوى المؤسسات المالية تأمين محافظ الإقراض لدى البنوك وأخيرا وإن كانت ذات رواج أقل برامج تأمين الأسر وبرامجها كافة.
تلعب مؤسسة النقد العربي السعودي دور المنظم والمشرع في القطاع كونه يعد أحد القطاعات المالية وكذلك فإن لمجلس الضمان الصحي دورا في المتابعة والتدقيق على الشركات فيما يخص التأمين الصحي على الأفراد. كلا الجهتين لعبتا دورا مهما في تنظيم هذه السوق الكبيرة سواء في تأطير السوق وتنظيمه أو في متابعة حالات الغش والتدليس سواء من الأفراد أو الشركات على حد سواء وقد شهدنا السنة الماضية حالات لشركات تعرضت للإيقاف من المؤسسة أو من المجلس فيما يخص الغطاء التأميني طبيا أو على المركبات.
يعد ما سبق شرحا للتطور التاريخي الذي مر به القطاع إلا أن شركات التأمين وقبل أن تتحسن عوائد استثماراتها عانت لوقت كبير من ضعف العائد التي تحصل عليه والقيود الموضوعة على القطاع وآليات احتساب الملاءة المالية التي وضعتها مؤسسة النقد وهذه في تقديري هي أحد أهم النقاط التي يتوجب على مؤسسة النقد مراجعتها وتعديل النسب والقيود المنصوص عليها في شرائح الاستثمار لدى الشركات لكي يبقى بحث الشركات على العوائد مقتصرا على أدوات الاستثمار المتاحة، خصوصا وأننا اليوم نشهد بداية حكومية جديدة لهذا القطاع. ففي هذا العام ناقش مجلس الشورى في أكثر من جلسة مشروع التأمين على المواطنين في المملكة وقد يكون هذا قريبا خصوصا مع التوجه إلى خصخصة القطاع الصحي في البلاد حتى وإن كان النموذج سيكون من خلال صندوق تأمين حكومي سيبقى لشركات التأمين دور تلعبه وما نموذج التأمين لوزارة التعليم إلا مثلا على ما يمكن أن يحدث خلال الفترات القادمة بين قطاعات الحكومة والشركات
بعد أن تعافى قطاع التأمين ماليا وأصبح يجني أرباحا وعوائد مجزية أصبح القطاع وصانعو القرار فيه أكثر حرصا وطمعا على تحقيق قفزات أكبر من خلال البحث عن سبل وبدائل إضافية تعزز يعي ذلك كل القطاعات التي تتعامل مع الشركات وعملائها كالصيدليات ، المراكز الصحية والمراكز البصرية وغيرها من مقدمي الخدمات إذ بدأت شركات التأمين نماذجا في اتفاقياتها تشارك فيها مقدمي الخدمات إيراداتهم بنسب معينة بجانب الخصومات التي يحصلون عليها الشركات وهذا أقرب لصيغة المشاركة والخوف أن يؤثر هذا الاتجاه على جودة الخدمات المقدمة للمستفيد النهائي فشركات التأمين تريد أن تدفع أقل ومقدمو الخدمة يريدون المحافظة على هامش ربح يفي بأعمالهم التجارية ووسط هذا سيشهد المستفيد تراجعا في جودة الخدمة المقدمة. متابعة ومراجعة السياسات الاستثمارية والتشغيلية سيسهم في ترويض غول التأمين المتعطش لزيادة إيراداته وأرباحه على حساب المستفيدين ومقدمي الخدمات.