محمد آل الشيخ
جاء اللقاء التلفزيوني الذي أجراه الأمير محمد بن سلمان جديداً، ليس بالمعنى الظرفي للكلمة، وإنما بالمعنى الفلسفي والمعرفي أيضاً؛ بل ربما أن معناه الفلسفي أهم بكثير هنا.
اللقاء حمل تباشير مطمئنة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، تشير إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية تتعامل مع التحديات الداخلية ومستجدات التحديات الأقليمية وكذلك العالمية بموضوعية ومنهج جديد، يتماهى أولاً مع العصر، وثانياً مع الظروف التي تكتنف الداخل، إضافة إلى الواقع الإقليمي الجديد، الذي تمتد تأثيراته لتتخطى الحدود، وتؤثر في الداخل.
تمحور اللقاء على ثلاثة محاور: أولها التحول الوطني التنموي، الذي جاء ليتعامل مع التحديات الداخلية، وأهمها التحديات التي اكتنفت الدولة بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وتفاقم هذه الأسعار، وبالتالي مردودها على الاقتصاد الداخلي، وبالذات على التدفقات النقدية، وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية. وبشفافية وإفصاح ومباشرة، طرح هذه القضية بلغة سليمة وجريئة وحاسمة وضعت النقاط على الحروف، والحقيقة – كما هي – أمام المواطن؛ فقد أرجع سبب التقشف الذي امتد بقسوة إلى دخل المواطن، إلى أنه بسبب انخفاض دخل النفط، الذي وصل إلى العشرينات، وكان لا مناص من أن نستعد لهذا التغير الحاد، بالتقشف كخطوة (مؤلمة) لا مناص عنها، ويواكبها في الوقت ذاته العمل بجهد دؤوب على دفع أسعار النفط إلى الأعلى. ويبدو أن هاتين الخطوتين قد آتتا ثمارها، وتحسنت التدفقات النقدية، الأمر الذي أدى إلى إعادة ما تم اقتطاعه من موظفي الحكومة إلى ما كانت سابقاً. وفي لغة صادقة وصريحة قال بمنتهى الجرأة : إن هبطت أسعار النفط سنعود – طبعاً - إلى الحلول نفسها، هكذا مباشرة ودونما لف أو دوران. ثم تحدث عن بيع نسبة من أرامكو كشركة. فأوضح أن البيع يشمل فقط الشركة التي تملك امتياز استخراج وتسويق النفط، أما الثروة النفطية تحت الأرض فهي ملك بكاملها للدولة؛ وأن البيع سيشمل حصة في الشركة في حدود الخمسة بالمائة، وسيتم صرف مردود بيع هذه النسبة في تمويل استثمارات صناعية وتجارية عملاقة في الداخل، من شأنها ان تكون قاعدة متنوعة للاقتصاد السعودي لا تعتمد على النفط فقط، ومثل هذا التوجه لا يمكن أن يقوم ما لم تبادر الحكومة لتأسيسه في البداية، وعندما يكون مردود هذه المشاريع الاقتصادي مجدياً من حيث الربحية، يجري طرحها في السوق. وأضاف: مثل هذا النهج من الاستثمارات ستكون إيجابيته على الاقتصاد المحلي عالية، بزيادة دخل الفرد، والمساهمة في امتصاص البطالة.
حرب اليمن أشار إلى أنها حرب فرضت علينا، وحاولنا تفاديها قدر الإمكان، ولم نستطع فدخلناها مجبرين لا مختارين، وأن بإمكاننا حسمها في زمن أقل، لكن التضحيات البشرية ستكون عالية، لذلك وجدنا أن الزمن معنا وليس مع المتمردين، فقررنا التعامل معها من هذا المنطلق.
وتطرق إلى التعامل مع مصر، ونفى أن يكون ثمة خلاف مع الحكومة المصرية، وأشار بوضوح إلى أن الإرجاف الإعلامي مصدره أبواق (إخونجية) ليس إلا. العلاقة مع إيران طرحها كما هي على حقيقتها، مشيراً إلى أن خلافنا مع إيران منذ الخميني هو خلاف أيديولوجي وليس سياسياً، يهدف إلى أنهم يسعون إلى زعامة العالم الإسلامي، واحتلال أرض الحرمين، فكيف يمكن لنا التفاهم مع مثل هؤلاء (الغزاة) المؤدلجين.
النقطة الهامة التي جاءت في اللقاء، وآثرت أن أضعها في نهاية المقال، لتكون بمثابة مسك الختام، قول سموه : أستطيع أن أؤكد لك أنّ أي فرد دخل في عملية فساد، سواء كان (وزير أو أمير) فلن ينجو من الملاحقة والعقاب. وهذه اللغة المباشرة، والحاسمة، سترتعد منها قلوب كثيرين من أهل الفساد، ممن ظنوا أنهم أصبحوا آمنين من الملاحقة والمحاسبة.
إلى اللقاء.