تركي بن إبراهيم الماضي
كانت الدول الاستعمارية إضافة إلى نهبها خيرات البلاد التي احتلتها، تمارس احتلالا أشد خطورة من احتلال الأرض وما فيها، وأعني بذلك الاحتلال الثقافي، وفرض لغة المستعمر وحضارته على أهل الأرض المنهوبة. كان الاستعمار يهدف من ذلك إلى إطالة أمد الاستعمار، حتى وإن تحقق الاستقلال لهذه الدول، فإنها لن تستطيع أن تخرج من دائرة التبعية في كل المجالات، وهو ما يشاهد ويلاحظ للدول التي خرجت من عباءة الاستعمار منذ قرن من الزمان ولكنها لا تزال خاضعة للاستعمار المعنوي!
بعض الدول الكبرى حديثا، والتي لم تكن شيئا في عصر الاستعمار القديم، أو لم تكن فيه ذات شأن، لجأت إلى حيلة ذكية، تتمثل في إعادة الاستعمار بصيغة جديدة، ومن ثم الترويج له، على أنها قيم العالم الجديد. القوة الناعمة، مرحبا بكم في عالم يروج له بأنه العالم الأفضل، والآمن، والأكثر إنتاجا، وإبداعا. هذا العالم الجديد، الذي يريد المستعمر أن يعيد الدول النامية إلى دائرة استعماره من جديد، تحت غطاء اللغة والثقافة المهيمنة.
لم تكن المملكة دولة استعمارية، كما أنها وبفضل من الله لم تتعرض للاستعمار، لكنها دولة لها قوتها الناعمة، التي لا ترجو منها استعمارا لأحد، وهي القوة التي تستمدها من أنها قبلة المسلمين، ورعايتها وخدمتها للحرمين الشريفين ولزواره من المعتمرين والحجاج، إضافة إلى مواقفها البارزة في المجتمع الدولي، التي حفظت لها مكانتها وريادتها.
المملكة التي تملك قوة ناعمة لا ينافسها فيها أحد، مهبط الوحي وقبلة المسلمين، قدمت للإسلام والمسلمين خدمات جليلة، ومنها، إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي الجامعة التي خرجت أجيالا من العلماء والدعاة، الذين قدموا إليها من كافة أنحاء العالم الإسلامي، عبر منح دراسية، تحملت الحكومة تكلفتها، استشعارا منها لدورها الريادي في نشر العلم والدعوة الإسلامية. الجامعة الإسلامية تعد نموذجا للقوة الناعمة للمملكة، فخريجي الجامعة الإسلامية منهم الآن وزراء ودعاة وقادة في مجتمعاتهم. وقد قابلت عددا ممن تخرجوا منها، ولمست تقديرهم لما بذلته المملكة بمساعدتهم في طلب العلم، وهو الشيء الذي مكنهم من العودة لبلادهم لتعليم أبنائهم، والمساهمة الفاعلة في بناء مجتمعاتهم، التي يكاد يقتلها الجوع والجهل.
إن نموذج الجامعة الإسلامية، وغبره من النماذج الأخرى، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، والتي تفردت بها بلادنا، يمكن أن يكون نواة لعمل تقوده وزارة الثقافة والإعلام، للترويج للقوة الناعمة لبلادنا، وإبراز الإسهامات الحضارية للإنسان والمجتمع السعودي سواء في محيطه أو ما قدمه للعالم.
إن الدول الكبرى والدول الطامحة تصنع قوتها الناعمة بنفسها، وكل له أسبابه ودوافعه، ومشروعه الاستعماري أو الحضاري الذي يسعى لتقديمه. والمملكة بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى، لمشروع إعلامي ضخم، يبرز الرسالة الحضارية للمملكة العربية السعودية وقيادتها العالم الإسلامي، ودورها البارز إقليميا ودوليا في كافة المسائل.
لقد ظل إعلامنا لسنين طويلة، وهو يقوم بدور المدافع عن الصورة النمطية والسلبية التي تروج عن المملكة، في بعض الصحف الأجنبية، ولم يفد هذا الدفاع في تحسين هذه الصورة، وهو ما يشير إلى أننا بحاجة إلى مشروع نقدمه للعالم، ونحن في موقف المهاجم لا المدافع، وهو يعني أن نبرز ما هو جميل لدينا، لا أن نستنزف قدراتنا ومجهوداتنا في تصحيح الأكاذيب. فرق كبير بين البناء وبين إصلاح البناء.