جاسر عبدالعزيز الجاسر
عاد وفد فصائل المعارضة السورية لاجتماعات أستانة التي تعقد في العاصمة الكازاخستانية في طبعتها الرابعة، إذ كان وفد المعارضة السورية قد أعلن وقف مشاركته في الاجتماعات لإظهار تناقض وتلاعب أو بعبارة أصدق «غش» الروس، فروسيا تقدِّم اقتراحاً بتحديد أربع مناطق في سورية تشهد معارك يومية، لجعلها مناطق هادئة من خلال وقف القتال ضمن حدودها.
طبعاً وفد المعارضة السورية رحَّب بالمقترح الروسي ولكنه في الوقت نفسه طالب الروس أن يوقفوا أولاً اعتداءاتهم المستمرة على تلك المناطق الأربعة، وأن يضغطوا أو يقنعوا حليفهم نظام بشار الأسد وقوات ملالي إيران من عناصر حرس الثورة الإيراني والمليشيات الطائفية بوقف عدوانها على تلك المناطق، إذ إن تقديم اقتراح بوقف المعارك ممن يقود ويؤجج تلك المعارك نوع من الغش التفاوضي وخداع لا يمكن أن يمر على المفاوضين الذين على دراية تامة بألاعيب الروس وتوزيعهم للمهام والشراك التفاوضية مع حلفائهم الإيرانيين وممثلي نظام بشار الأسد، ولهذا فإن مطلب وفد المعارضة السورية كان منطقياً وعملياً، بأن تبادر القوات الروسية وحلفاؤها من قوات بشار الأسد وعناصر حرس الثورة الإيراني والمليشيات الطائفية بما فيها مليشيات حزب الله والمليشيات العراقية الشيعية والمليشيات الأخرى، بوقف اعتداءاتها على السوريين ووقف استهداف المناطق الأربعة التي تقول روسيا إنها تعمل على أن تكون هادئة، وأن يشمل وقف المعارك توقف طيران بشار الأسد في استهداف المناطق الأربعة بالبراميل المتفجرة والإغارة بالطائرات الحربية وبالذات في محافظة إدلب.
مطالب وفد المعارضة السورية التي أوردناها حُظيت بتأييد ثلاثة أطراف مشاركة في اجتماعات أستانة، فإضافة إلى تأييد ودعم الوفد التركي الذي يمثل دولة أساسية في الاجتماعات، إذ تعد تركيا إحدى الدول الضامنة، هنالك تأييد ومساندة من الوفدين الأمريكي والأردني، وهذان الوفدان مؤثران رغم أنهما يشاركان بصفة مراقب، ولم يُسمع رأي ممثل الأمم المتحدة الذي لم يبت في أمر يشكِّل خلافاً قد لا يرضي النظام السوري الحاكم.
وزارة الخارجية الكازاخستانية التي تستضيف بلادها الاجتماعات كشفت بأن وفد المعارضة السورية سيعود إلى المشاركة في الاجتماعات بعد تلبية معظم طلباته، وفق ما كشفت عنه إجابات رئيس الوفد الروسي لاجتماعات الخبراء والتي حققت إلى حد ما ما طالبت به فصائل المعارضة السورية، إذ تعهد الوفد الروسي بوقف غارات الطائرات الحربية سواء من قبل القوات الروسية أو طائرات النظام، فيما ربط وقف انتهاكات المليشيات الشيعية بوقف تجاوزات الجماعات المتطرفة كجبهة النصرة وغيرها، وهو ما يفتح الحديث عن الطلب من الفصائل العسكرية المعتدلة المشاركة في مواجهة الجماعات المتطرفة، ويبدو في إجابة مقتضبة لممثل وفد المعارضة السورية استجابة لهذه المطالبة.
ورغم أن وفد المعارضة السورية قد أبدى تحفظه على مشاركة إيران كدولة ضامنة لما سيتم الاتفاق عليه في أستانة، وهو ما عبَّر عنه علناً أثناء الاجتماعات من خلال ممثل الجيش السوري الحر، إلا أن الاجتماعات سوف تستمر رغم وجود فجوة كبيرة بين ما توعد روسيا به وبين ما هو على الأرض، إذ لا تزال روسيا وإيران وحلفاؤهما يستمرون في ارتكاب خروقات وتتعرض المناطق المحددة إلى عمليات واستهداف حتى في أثناء المباحثات، ومع هذا تتواصل الاجتماعات لحرص وفد المعارضة السورية وتركيا وأمريكا والأردن للذهاب إلى أقصى ما يمكن لتحقيق ما يسعون إليه، وهو تجنيب الشعب السوري عمليات القتل والإبادة والتهجير التي تنفذها إيران والمليشيات الشيعية بدعم ومساندة روسيا.