د. أحمد الفراج
تحدثت في المقال الماضي عن حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض، الذي يحضره الرئيس الأمريكي في العادة، وسألت عن كيف تعامل الرئيس ترمب مع حفل هذا العام، الذي أقيم قبل أيام، والإجابة هي أن ترمب قاطع الحفل ولم يحضره، ولم يكتف بذلك، بل رتب، في يوم الحفل، تجمعا لأنصاره في ولاية بنسلفانيا، وهو تجمع يشبه تجمعات الحملات الانتخابية، ثم خطب فيهم خطبة طويلة، هاجم من خلالها الإعلام، وفرغ ما في جعبته من غضب متراكم، وخص بهجومه كبرى القنوات التلفزيونية، سي ان ان، وام اس ان بي سي، وجريدة النيويورك تايمز، ويبدو أن الترتيب لذلك كان معدا منذ مدة طويلة، وبهذا أرسل ترمب رسالة واضحة وصريحة لوسائل الإعلام بأنه لا زال يواصل التحدي، ويسير في سياساته كما يرى هو ومستشاروه، وأنه لم ولن يخضع للضغط والابتزاز، الذي يمارسه الإعلام الأمريكي ضده وضد سياساته.
من المسلم به أن الخصومة مع الإعلام هي حرب خاسرة لأي سياسي، خصوصا الإعلام الأمريكي الشرس والمحترف، برموزه المؤثرة، الذين يستطيع بعضهم أن يقلب الحق باطلا، ويؤثر في توجهات الرأي العام، ولكن ماذا يفعل ترمب، وهو الذي واجه حربا شرسة، وانحيازا غير مسبوق ضده، ربما منذ عهد الرئيس نيكسون، ولكن ترمب لم يرتكب جريمة فيدرالية، كما فعل نيكسون، الذي تجسس على الحزب الديمقراطي، ثم بعد أن تم كشف الفضيحة من قبل الصحفي اللامع، بوب ودوورد، سخر نيكسون أركان إدارته للتغطية على الفضيحة، بدلا من خدمة الشعب الذي انتخبه، فبالنسبة لترمب، كان كل ما فعله هو أنه أعلن عن اجندات لم ترق للدولة العميقة، التي كانت ترغب في انتخاب هيلاري كلينتون، فتم تسخير الإعلام للحرب عليه، وعلى سياساته ومشاريعه بلا استثناء.
الرئيس ترمب قاطع حفل عشاء مراسلي البيت الأبيض في توقيت جيد بالنسبة له، فتحركه في السياسة الخارجية، وضربه لمطار الشعيرات في سوريا، أجبر الإعلام المنحاز ضده على الإشادة به رغما عنه، فالأمر يتعلق باستخدام السلاح المحرم دوليا، وكان قبل ذلك قد قابل الزعيم الصيني، في لقاء ودي، في منتجعه في فلوريدا، ونتج عن ذلك اللقاء الكثير من التفاهمات الإيجابية، سواء فيما يتعلق بكوريا الشمالية، أو في الجانب الإقتصادي، وبالتالي فإن معنويات ترمب كانت مرتفعة، وسجل هدفا صاروخيا في مرمى الإعلام المنحاز ضده، ويشير كل شيء إلى أن ترمب قرر مواصلة فترة رئاسته، معتمدا على الإنجازات التي يحققها داخليا وخارجيا، عوضا عن مداهنة الإعلام، الذي من الممكن أن يسانده، ويتغاضى عن هفواته، دون تحقيق إنجازات تذكر، كما كان الأمر خلال فترة الرئيس السابق، باراك اوباما، الذي صنعه الإعلام، ثم أوصله للرئاسة، ولا زال يتغنى به حتى اليوم!.