ناصر الصِرامي
ثلاثة أشهر ساخنة تفصلنا عن بداية حصول المرأة في المملكة العربية السعودية على المزيد من حقوقها.
فالأمر السامي، الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز «بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية». هو بداية التصحيح في ميزان حقوق وواجبات المواطنة السعودية. وبالمناسبة فإن الأمر السامي هو وثيقة مكتوبة وليس له شكل محدد، وهو يحمل توقيع الملك بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء.
والوثيقة التوجيهية الصادرة الخميس الماضي من قِبل الملك هي تاريخية بامتياز، لتعديل وتصحيح مسار حصول المرأة السعودية على حقوقها كمواطنة مكتملة العضوية وشريكة في وطنها.
تعميم المقام السامي على جميع الجهات الحكومية المعنية، بعد الموافقة على المقترحات التي رفعتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء لحل الإشكالات فيما يتعلق بحقوق المرأة، هو بداية التحرك الجاد والمنظم والمعلن لتصحيح الخلل، وتفعيل نصف المجتمع السعودي نحو تحقيق فعالية اقتصادية والمشاركة الاجتماعية والحق الإنساني.
إنها مجرد صافرة بداية، سيتلوها خطوات أخرى، فقطار تحديث الدولة السعودية انطلق بإصرار وحزم وصرامة وجدية.
الأمر السامي الكريم طالب من الجهات المعنية ضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة الحكومية كافة، وطريقة تعاملها مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر جميع الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء مهما كان أو الحصول على أي خدمة، مع إيضاح أساسها النظامي - إنْ وُجد -، والرفع بهذا الحصر ونتائج هذا الاستقصاء في مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور الأمر الخميس الماضي 4 مايو 2017.
أي نحن نتحدث عن الأسبوع الأول من شهر أغسطس، فالتحديد الزمني مهم لناحية جدية الدراسة والتوجيه قبل إصدار قرارات في هذا الشأن، تلغي الولاية أو الوصاية على المرأة السعودية المتعلمة والعاملة والمربية، الأم والأخت والزوجة، شريكتنا في الوطن بحقوقها وواجباتها.
التوجيه السامي تضمّن أيضاً مطالبة الجهات الحكومية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوفير وسائل النقل المناسبة لمنسوبات الجهة من النساء وذلك حسب الإمكانات المتاحة، مع التأكيد على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بإلزام أصحاب العمل بتوفير وسائل النقل للعاملات من النساء، وفقاً لما تقضي به أحكام نظام العمل. وربما مستقبلاً - وهو المأمول - توفير حق الحركة والتنقل - مثل إقرار قيادة المرأة للسيارة لمن يرغبن ويحتجن، كحق أصيل من حقوق الإنسان.
مهم أيضاً ما أشار إليه الأمر السامي، والسامي جداً، من توجيه هيئة حقوق الإنسان لتتولى بالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية وضع برامج تعريفية بالاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة، ووضع خطة شاملة للتوعية بحقوق المرأة من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والتدريبية، يشمل ذلك توضيح البنود التي تحفّظت عليها المملكة في تلك الاتفاقيات وطبيعة التزامات المملكة بهذه الاتفاقيات.
مُلفت بالنسبة لي كمتابع على الأقل لبعض التوجيهات الملكية السابقة، ما ختم به التوجيه والأمر السامي بمطالبة جميع الجهات الحكومية التي تقدم خدمات للمرأة، بنشر تلك التعليمات والإجراءات المعمول بها في مواقعها الرسمية. الأمر الذي من شأنه أن يلغي أي اجتهاد شخصي غير موفق لموظف حكومي، مهما بلغ شأنه أو مرتبته أو تعطيل لأيِّ إجراء سيتم إقراره، فالحقوق هنا ستكون نظامية وقانونية ولا مجال للاجتهاد أو الأهواء الشخصية !
لذا يحق أن ننظر لهذا «الأمر السامي» على أنه برنامج عمل تاريخي للمرأة السعودية خلال المرحلة القريبة القادمة .. نحو عصر جديد من المسئولية والحقوق والمشاركة وشيء من الحرية والواجبات أيضاً..