ليس من طائل أن نسرد تاريخ البدايات للأب الوقور، وبالتأكيد فإننا هنا نقصد المسرح، الذي تشكل بفعل تراكم التجربة في حياة مجتمع الإنسانية لتكون المنصة الفاعلة في طرح بديع الفنون من البيان بمجمل البليغ من صنوف الدراما تحكي رؤية الأدب ليكتمل الإبداع في الصورة رفقة طيف من مؤثرات.
وهي الحقيقة أن للمسرح السعودي ثراء الحضور الذي نعي مساراته خلال العقود الماضية والتي أُنجب فيها نتاج نوعي أثبت حضوره في المحافل المحلية والعربية، متحفزا للوصول إلى العالمية التي هي الهدف مهما اعترى المسار من عقبات تلاشى ظلالها مع بزوغ شمس رؤية الدولة السعودية 2030 تحث المسير في مشروع تنمية فريد نجني ثماره اليوم طاقات فاعلة، من شباب مسلح بالعلم والمعرفة فيها الاحتراف صنو للتخصص.
وإذ نحن نعيش اليوم مرحلة متجددة من التطوير الثقافي في المملكة فإننا نعتز بالانطلاقة الجديدة لمسرح التلفزيون السعودي الذي تضرب جذوره في عقود من نماء وتراكم لحراك مستنير، ليكون المسرح كما تريد له طموحات الشباب تستمد المنعة من عزيمة الرواد في بناء مجتمع فيه ثراء التجربة تمتد إلى ما قبل تأريخ السنين.
وهي البداية في طريق الأمل أن يكون القرار أن ينطلق مسرح التلفزيون السعودي ليواكب رؤية وثابة ترنو للتغيير والتجديد وأن تمارس هذه المؤسسة الرائدة دورها التنموي بأن تكون الحاضنة للإبداع، صاقلة للفن المسرحي حيث هو عنصر رئيس للتواصل بين الثقافات داعما للمواهب بكل درجاتها، مستثمرا لقدرات المخضرمين بخبراتهم، داعما ومطورا للمهارات والقدرات الشبابية الطموحة، ناشرا ثقافة المسرح في نطاقات المدارس والجامعات، عدا عن كونه رافدا اقتصاديا يرتكز حراكه على بناء الشراكات مع كافة القطاعات المتخصصة، وإتاحة ترويج الناتج المسرحي والتلفزيوني بمنهج صناعي يضمن النماء والتطور.
ومما لاشك فيه فإن حراك المرحلة في مسرح التلفزيون السعودي يهدف إلى إحياء التراث المسرحي من خلال التوثيق وحفظ العروض المسرحية، وضمان جاهزية المسرح الفنية بالكامل، لاستقطاب العروض المسرحية ومجمل الفنون الموسيقية، علما بأنه قد تم تأسيس نواة الفرقة الوطنية للموسيقى، والذي من شأنه تطوير الموسيقى المحلية وتواصلها مع الفرق الموسيقية العربية والعالمية، بما يحقق تعزيز الشراكات الهادفة إلى الارتقاء، وصولا إلى الإنتاج النوعي المرتقب.
إن أهداف مسرح التلفزيون السعودي لا تقف عند إحياء مسرح احتضن قبل أكثر من ثلاثة عقود نخبة من المبدعين السعوديين، بل هو القرار أن يكون منصة للإنتاج النوعي، إضافة إلى كونه منصة لعرض إبداعات مجمل الفنون البصرية والحركية والسمعية.
من هذا المنطلق، فقد كانت مشاريع التطوير في هذا الشأن الثقافي الهام، منبثقة من فلسفة صناعة الثقافة المسرحية، التي مهدت لبدء المشاريع الحيوية مثل عرض الحفلات الفلكلورية، وإنتاج برامج جديدة هدفها التواصل مع المجتمع وتوثيق عطاءات العقود السابقة، وتكريم الرواد الذين أسسوا للفن السعودي، وأن يكون مسرح التلفزيون منصة لقاء لكل أطياف المجتمع من أصحاب الاهتمام والمعرفة، سعيا لإثراء التجربة والأخذ بها إلى آفاق الطموح اللامتناهية.
إن رسالتنا هي تحقيق الريادة الفنية والثقافية في وطن النماء مساهمة مع كتلة الثقافة والإعلام في تحقيق الرؤية الحاضة على بناء مجتمع مستنير، حيث هو الرهان على نقاء نوعية الإنسان السعودي، ورفيع ذائقته الفنية، وثراء ثقافته.
** **
عبدالإله بن فهد السناني - مستشار وزير الثقافة والإعلام والمشرف العام على مسرح التلفزيون