د.ثريا العريض
أكتب يوم الخميس 4 مايو وأنا سعيدة جداً - ومثلي بلا شك ملايين المواطنات- والسبب أنه في هذا اليوم صدر قرار سامٍ عن رئاسة مجلس الوزراء يختص بتمكين المرأة, يعلن بلغة واضحة تحولاً جذرياً لترسيم موقع المرأة في معادلة المجتمع, بعد عقود من معاناتها مع سلطة الأعراف, والتفسير المغلوط للتعليمات الشرعية, وتكبيلها عبرهما في موقع المضاف إليه, محرومة من قدرة اتخاذ القرار حتى فيما منحها الشرع من حقوق. نرحب بالأمر السامي الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب.
وهذه صيغة ملخص الخبر كما جاء رسمياً في قناة الإخبارية: «وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية؛ أمر سامٍ بتمكين المرأة السعودية من الخدمات دون اشتراط موافقة ولي أمرها ما لم يكن له سند نظامي».
هذا التعميم من المقام السامي على جميع الجهات الحكومية المعنية, جاء بعد الموافقة على المقترحات التي رفعتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء لحل الإشكالات فيما يتعلق بحقوق المرأة. ووضع عبارة «وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية» قبل تفاصيل الأمر السامي, يعني أن الأمر السامي نفسه اتخذ تنفيذاً لأحكام الشريعة. وهذا مهم جداً في فهم أن الأمر تصحيحي التوجه, جاء لإيقاف المغالطات السائدة في التعامل مع المرأة بمنطلق عرفي بحت يتستر برداء مظهر شرعي لتمرير تفاصيل متعنتة متحيزة ضد حصولها على حقوقها الشرعية.
ولهذا «أكد الأمر السامي على الجهات المعنية بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة المرتبطة بها ذات الصلة بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء أو الحصول على أي خدمة, مع إيضاح أساسها النظامي, والرفع عنها في مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور الأمر. كما تضمن مطالبة الجهات الحكومية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوفير وسائل النقل المناسبة لمنسوبات الجهة من النساء وذلك حسب الإمكانات المتاحة، مع التأكيد على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بإلزام أصحاب العمل بتوفير وسائل النقل للعاملات من النساء، وفقاً لما تقضي به أحكام نظام العمل. وأشارت التوجيهات الكريمة إلى دعم هيئة حقوق الإنسان لتتولى بالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية وضع ما يلزم من برامج للتعريف بالاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة، وذلك من خلال وضع خطة شاملة للتوعية بحقوق المرأة من خلال وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم والتدريب، على أن يشمل ذلك توضيح البنود التي تحفظت عليها المملكة في تلك الاتفاقيات وطبيعة التزامات المملكة بهذه الاتفاقيات. وطالبت التوجيهات الملكية جميع الجهات الحكومية التي تقدم خدمات للمرأة بنشر تلك التعليمات والإجراءات المعمول بها في مواقعها الرسمية.
وبهذا أخرج التعامل مع المرأة عن المرئيات والتفضيلات العرفية, الفردية والفئوية, إلى وضعية قانون رسمي واضح بمرجعية رسمية.
هنا.. أتذكر ما أكدت سابقًا: إذا أردت أن تعرف مستوى مجتمع ما من التقدم أو التخلف الحضاري فلا تسأل عن مواصفات الحياة الاستهلاكية, أي ماذا يستوردون ويستهلكون من منتجات الغير, فذلك سيدلك فقط على مقدار ما يمتلكه المجتمع من السيولة التي تسمح بالشراء للاستهلاك أو التكديس. المؤشر الحقيقي للوعي ستجده في تعامل المجتمع مع الفرد من حيث حماية حقوقه وتحديد مسؤولياته؛ خاصة نظرة المجتمع الى الأقليات وإلى المرأة!
مع قرار اليوم التاريخي, نحن قيادة ومجتمعًا نثبت لأنفسنا قبل غيرنا, أننا مجتمع واعٍ وراقٍ, حين نتعامل مع كل فرد منا رجلاً كان أو امرأة كإنسان ذي حقوق واضحة ومصانة نظامياً وعرفياً. فالحمد لله.. وشكراً لجدية صانع القرار في إحياء الوعي بشرعية حقوق المرأة.