نجيب الخنيزي
في يوم نشر هذا المقال (يوم الأحد) ستنطلق المرحلة الثانية من معركة الإعادة للانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ إذ انحصرت المنافسة بين إيمانويل ماكرون (مرشح الوسط) ومارين لوبان (الجبهة الوطنية) التي تعد مرشحة اليمين المتطرف.
الجدير بالذكر أن الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية شهدت مشاركة 11 مرشحًا للرئاسة، غير أن خمسة منهم تصدروا المشهد الانتخابي، وكانوا موزعين بين أقصى اليمين (لوبان)، واليمين الديغولي الجمهوري (فرنسوا فيون)، إلى اليسار الاشتراكي (بنوا هامن) وأقصى اليسار (جان لوك ميلنشون).
وقد أسفرت الجولة الأولى - كما هو متوقع - عن خروج مهين لمرشح الحزب الاشتراكي الذي نال 6.4 % فقط من الأصوات؛ الأمر الذي يعكس التدهور الكبير لمكانة هذا الحزب اليساري العريق بين صفوف الشعب الفرنسي، وخصوصًا في ظل فشل سياساته الاقتصادية/ الاجتماعية، والخروقات الأمنية والإرهابية الخطيرة، فضلاً عن فشله في الحفاظ على مكانة فرنسا العالمية في ضوء تبعيتها للولايات المتحدة.
في حين جاءت النسب التي حصل عليها بقية المرشحين الأربعة متقاربة إلى حد ما؛ إذ حصل مرشح اليمين الجمهوري على نسبة 19.9 %، ومرشح أقصى اليسار على 19.6 %.
اللافت هنا هو تدهور وانقسام وتضعضع مكانة الأحزاب الفرنسية (اليسارية واليمينية) الكبرى التي تصدرت المشهد السياسي الفرنسي على مدى ستة عقود. التيار اليساري الممثل بالحزب الاشتراكي وصل إلى ذروة تألقه في عهد ميتران الذي برز كرجل دولة وشخصية ثقافية، وشغل منصب الرئيس بين عامي 1981 - 1995، غير أنه سرعان ما فقد بريقه، وتدهورت شعبيته في ظل الرئيس فرانسوا أولاند، الذي لم يجد مفرًّا من إعلان عدم مشاركته في انتخابات الرئاسة.
أما الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان يضم بين صفوفه مئات الآلاف من الأعضاء، فضلاً عن سيطرته على كبرى النقابات العمالية (سي جي تي) التي ضمت الملايين من العمال، بل طبع المشهد الثقافي الفرنسي بتوجهه اليساري من خلال رموز ثقافية وفكرية فرنسية كبيرة، وقد بلغ أوج قوته عندما حصل مرشحه جاك ديكلو في انتخابات 1969 إثر استقالة شارل ديغول على نسبة 20 %، وقد اشترك في أول حكومة في عهد ميتران بأربعة وزراء، غير أنه وخصوصًا إثر انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفييتي وانحسار جاذبية الأفكار الاشتراكية بدأ يفقد شعبيته، وقد قرر تأييد جان لوك مرشح أقصى اليسار في الانتخابات الأخيرة.
الأمر ذاته ينطبق على التيار اليميني الجمهوري الذي حافظ على وجوده القوي حتى نهاية مرحلة الرئيس السابق جاك شيراك، ثم بدأ بالتراجع مع عهد الرئيس السابق ساركوزي الذي هُزم أمام مرشح الحزب الاشتراكي.
السؤال المطروح هنا: هل تفوز مارين لوبان بالرئاسة الفرنسية تحت تأثير خطابها الشعبوي الانعزالي، الذي يدغدغ مشاعر الوطنية والخصوصية الفرنسية، ويثير المخاوف من المهاجرين، وخطر الإرهاب، أم ستتحد التيارات والقوى الأخرى كافة من اليمين والوسط واليسار في مواجهة لوبان في تكرار لانتخابات 2002، حين اتحدت معظم القوى وراء جاك شيراك في مواجهة جان لوبان، وحصل شيراك على 80 % في جولة الإعادة؟
في اعتقادي، إن سيناريو 2002 سيتكرر، وسيفوز ممثل الوسط إيمانويل ماكرون بسباق الرئاسة باعتباره المصد الأخير في وجه اليمين المتطرف، أو كما يقال مجازًا اختيار السيئ في مواجهة الأسوأ. وفي الوقت نفسه يحظى بدعم القوى المتنفذة في داخل فرنسا، وأروقة الاتحاد الأوروبي.