على النقيض من أصحاب الصدور الرحبة نجد أن البعض في كل شريحة اجتماعية إما أن يعاني أو يستمتع بحالة لا تتفق مع فطرة الإنسان التي تميل لقبول واحترام وملاطفة وممازحة الآخرين والترحيب بهم واستضافتهم وجدانيًا على الأقل من خلال قبول مساهمتهم بعمل أو مشاركتهم برأي. وتتمثل هذه الحالة التي يعاني منها البعض في زماننا هذا في عدم تقبل وجود الآخرين في المساحة الصدرية الخاصة بهم. وهي المساحة التي -إن كانت كبيرة- فسوف تعطينا انطباعًا عامًا لمفهوم ثقافي ومثل شعبي دارج بأن فلاناً من الناس ذو «صدر رحب» أي صاحب سليقة سليمة متقبل للنقد والنصيحة أو المحادثة والمشاركة، وصاحب أخلاق فاضلة تمنعه من التمييز والكبرياء والغطرسة وتحثه على قبول الكل للدخول تلقائيًا في تلك المساحة دونما تأشيرة للدخول أو واسطة للعبور.
في حين يرفض أو لا يتقبل أصحاب الصدور الضيقة كل من يريد المشاركة والمساهمة أو المخالطة والمجالسة والمحادثة. فما هي الأسباب التي تكمن وراء عدم القبول أو الرفض إلى الحد الذي يجعل علماء اللغة في المجتمع يضعون لهؤلاء صفة أو وسماً بأنهم أصحاب «صدور ضيقة»؟ وكيف يمكن إيجاد الحلول والوسائل التي قد تساعد في توسيع الصدور الضيقة؟
انطلاقًا من مبدأ التكافل بين أفراد المجتمع الواحد والبحث عن كل ما يسهم في تيسير شؤون الناس فإن الواجب يحتم علينا البحث عن الأسباب وعدم التوقف أمام مشكلة اجتماعية معقدة. وبما أن كثيراً من المشكلات العضوية في جسد الإنسان قد تم إيجاد الحلول المناسبة لها ليبقى الإنسان على قيد الحياة إلى ما يشاء الله، وكما هو الحال بالنسبة لعمليات توسيع الشرايين الضيقة لتسمح بتدفق الدم المشتمل على الغذاء والأكسجين من القلب إلى كل أجزاء الجسم، فإن توسيع الصدور الضيقة بحاجة كذلك إلى ابتكار وسائل وحلول للمساعدة في توسيع من ضاقت صدورهم وتعقدت نفوسهم. ولذلك يردد الناس دائمًا مقولة: «وسع صدرك» لحث كل من ضاق صدره على تهوين الأمر وتبسيطه، لكن مقولة كهذه لا تكفي لإيجاد التغير المنشود.
وما انتشار وازدياد العيادات النفسية في هذا الزمن إلا مؤشرًا واضحًا على ضيق الصدور وتوتر النفوس. ولكن هذه العيادات لم ولن تقدم سوى المسكنات والمهدئات لحالات تعاني من الهموم ومن شجون وتعقيدات الحياة العصرية. ولذلك لا بد من البحث عن آفاق جديدة لحالات ضيق الصدور، وهي حالات مستعصية لم تشخص علميًا حتى الآن.
فماذا لو تم إنشاء مراكز رعاية اجتماعية في كل حي سكني على غرار مراكز الرعاية الصحية الأولية بحيث تعتمد على برامج ترفيهية وتكون ذاتية الخدمة من قبل الراغبين في الاشتراك لمدة زمنية محددة. وفي هذه المراكز الاجتماعية يحتك ويلتقي أصحاب الصدور الضيقة بنظرائهم من أصحاب الصدور الرحبة وقضاء أوقات الفراغ من خلال تبادل الأحاديث الودية وممارسة بعض التمارين الرياضية الخفيفة في أجواء من الألفة والبهجة والسرور. كما يمكن أن تتحقق من خلال هذه المراكز فرصة للتعارف بين الجيران وأبناء الحي الواحد.