يستبشر المسلمون بقدوم شهر رمضان؛ لأنَّه موسم عظيم من مواسم الخيرات والبركات, وفيه المتاجرة الحقيقية، وفيه يتسابق المتسابقون إلى فعل الطاعات؛ طمعاً في كثرة الأجور والحسنات, ومغفرة السيئات. لهذا يفرح المؤمنون بإهلال هذا الشهر عليهم، ويحمدون الله ويشكرونه على ما منَّ به عليهم من بلوغه, فهو شهر أنزل الله فيه القرآن الكريم, قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] قال الإمام السعدي: «حقيق بشهر هذا فضله وهذا إحسان الله عليكم فيه، أن يكون موسماً للعباد مفروضاً فيه الصيام». تيسير الكريم الرحمن (ص: 86). ولقد كان السلف يجتهدون في العبادة في شهر رمضان ما لا يجتهدون في غيره, فحريٌّ بالمؤمن والمؤمنة أن يقدروا له قدره, فلا يفرِّطون في أوقاته, بل يستغلونها في طاعة الله تعالى, ومنطلقاً لإصلاح النفس وتزكيتها, بالتوبة كثرة الذكر والاستغفار, وفعل الأوامر واجتناب النواهي, فالمقصِّر في الصلاة مع الجماعة في المساجد يتوب إلى الله من تقصيره, ويبدأ مرحلة جديدة بأن يكون أول المجيبين للنداء, فيحضر إلى المسجد بسكينة, ويدرك تكبيرة الإحرام والصف الأول, وكذلك من قصَّر تجاه والديه أو أحدهما فعليه أن يبادر إلى البر والتقرب إلى الله بطاعتهما؛ فيتلطف في الحديث معهما, ولا يرفع صوته عليهما, ويسابق إلى خدمتهما, ويلتمس رضاهما؛ فلا سعادة للمرء إلا برضى والديه عنه, ويسابق المؤمن والمؤمنة في هذا الشهر بكثرة قراءة القرآن الكريم, كل بحسب اجتهاده, فمنهم من يختم في ثلاث ومنهم من يختم في خمس أو سبع ليال؛ فأيُّ اجتهاد سيكون منك فيه؟ وهل أنت ممن يسابق فيه إلى فعل الطاعات, أو ممن غلبه هواه فكسَّله وتمادى في الغفلة؟ فحذار من غفلة يضيع فيها الوقت أمام شاشات القنوات الفضائية أو بين تقليب صفحات الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي, أو بإضاعة الوقت في الاستراحات أو بلعب الكورة والبلوت وغيرها. إنَّ على المؤمن أن يحفظ وقته ويستثمره في هذا الشهر المبارك, فالسعيد كل السعادة من يعمل لآخرته؛ ليرى فيها ما يسرُّه أن يراه؛ فإنما الآخرة هي دار القرار قال تعالى: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] وقال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64] قال الإمام السعدي - رحمه الله -: «وأما الدار الآخرة، فإنها دار {الحيوان} أي: الحياة الكاملة، التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة وقواهم في غاية الشدة؛ لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجوداً فيها كل ما تكمل به الحياة وتتم به اللذات من مفرحات القلوب وشهوات الأبدان من المآكل والمشارب والمناكح وغير ذلك، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». تيسير الكريم الرحمن (ص: 635).
ومن الأمور التي تلاحظ عند البعض كثرة تنويعهم للأطعمة والأشربة, مما يتطلب وقتاً كبيراً وجهداً مضاعفاً في إعدادها, فلو اقتصر على ما يكفي الحاجة, لكان صواباً؛ لأن الإكثار من الطعام وكثرة التخليط له أثر في الكسل والخمول عن الأعمال الصالحة, والتوسط في الأكل والشرب مطلوب؛ اهتداء بالهدي النبوي في ذلك؛ ولأنَّ من مقاصد الأكل والشرب التقوي على طاعة الله تعالى.
وقفة: البشرى ببلوغ رمضان لها وقع في قلوب المسلمين, لما في هذا الشهر من كثرة الفضائل, وحريٌّ بالمرء المسابقة إلى الطاعات والمبادرة إلى اغتنام أوقات هذا الشهر بما يزكي النفس من توبة واستغفار وأعمال صالحة, ومحاسبة النفس على التقصير, فكلنا مقصِّر... اللهم بلغنا رمضان وأعنَّا فيه على الصيام والقيام وعلى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.