رمضان جريدي العنزي
النازيون الألمان وضعوا أنفسهم في خانة العلو وفوق الجميع وغيرهم في المؤخرة، اليهود أيضاً صنفوا أنفسهم بأنهم شعب مختار ومن أرقى السلالات وأنبلها، الفرس والرومان يتباهون بأنهم دهاة وساسة وأذكياء ومميزون، الفرنسيون الصينيون والهنود أيضاً، وحتى العرب يحتقرون غيرهم ويعيرونهم بالعلوج والعجم، ويمارسون ما بينهم البين طبقية مخيفة، وعنصرية بغيضة، وشعور هلامي بالفوقية والتنميط والانتقاص من الآخر، وشعوبية وتمايز لا تتفق مع تعاليم الدين، ونصوصه الشرعية، الكل يحتقر الكل، ويعتز بنفسه، وبصفته وعرقه، والكل يصنف الآخر ويسميه وينعته ويحاول إلغاءه وتصغيره وإسقاطه وإذلاله ونفيه ووضعه في خانة الدونية والعدم، تصنيفات باذخة بالفوقية والانتسابات والإقصاء والتميز، أيديولوجيا العنصرية والسخرية والفوقية صلفة وغير عادلة ولا تفضي إلى نتيجة، وهي ثقافة بائدة وتخلفية وهادمة وقاصرة، وفيها ازدواجية معايير، وتبعد كثيراً عن الانشغال بالتنمية والبناء وتحقيق الطموح والتطلع والتفوق، وتؤطر لعملية التخلف المبني على عناصر الهدم والخراب والفناء، إن الإنسان بحاجة ماسة إلى مراجعة سلوكه الطبقي والفوقي والتصنيفي والعنصري، وتحويله إلى ما هو أرقى وأنبل وأجدى وأسلم وأنفع، لقد تغيّر العالم اليوم وجنح بقوة نحو ردم مستنقع العنصرية والفوقية والعرق والجنس واللون والدم، وأخذت المحاكم في أوروبا وأمريكا تحاكم حتى على «النكته» و»التلميح» المتشح بالعنصرية والطبقية والتصنيف، إن على المترهلين بالاستعلاء والفوقية والفكر العنصري أن يتصالحوا مع أنفسهم أولاً ثم مع الإنسان الآخر لكي يتمكّنوا من مواصلة الحياة بنقاء وسلام وبياض، بعيداً عن مذهب العنصرية القاتم وتداعياته، والمبني على الفروق وعناصر الكره والبغض والشعور بالهيمنة والتفوق والإقصاء والتهميش والرفض، أن على الإنسان ذاته كفرد من ضمن مجموعة أن يعمل على تضيق فجوة العنصرية والطبقية والشعور بالتميز، وأن يكون دوره فاعلاً في علاج هذه الصفة البغيضة من خلال تبديل الرؤى والأفكار العتيقة بقدر المستطاع والقدرة والطرح واللغة، متخذاً رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم معلماً وهادياً ومرشداً ونبراساً، حينما عالج مشكلة العنصرية والفوقية والتميز مع شخص يتباهى بها يعتز يسمو ويفتخر حينما قال له: «إنك امرؤ فيك جاهلية»، وذلك بزرع القيم في نفوس الصغار قبل الكبار، ونبذ التفاخر الباهت، والتميز الكاذب، أضاً على المؤسسات التعليمية دور كبير ومهم في توعية الجيل الجديد وتثقيفهم وزرع النبل والأفكار الصحيحة في عقولهم ونفوسهم، منظمات حقوق الإنسان أيضاً لها دور كبير في هذا المجال أيضاً وذلك من خلال عقد دورات تثقيفية ونشر كتيبات ورسائل حول وجوب نبذ العنصرية والتميز بجميع أشكاله وأنواعه، أيضاً تقويه الوازع الديني لدى كافة الأفراد بكافة شرائحهم، وفرض عقوبات على كل من يثير الفتن والنزاعات وأحياء العنصرية ونشرها في أي مجال أو وسيلة أو زمان أو مكان، أن علاج العنصرية ليست عصية على الحل إذا تضافرت كل الجهود، وتوزعت المهام بين الأفراد والمجتمع ككل، وقد سبقت وتخلصت أمم من هذه الآفة البغيضة، وتمكنت من علاجها والتخلص منها للأبد، واتجهت نحو النهضة والعلم والابتكار والإبداع وبناء الأمجاد والحضارة، بعد أن أيقنت بأن آفة العنصرية والفوفية وادعاء التميز والاستعلاء ما هي إلا أدوات مصد وحاجز ومعيق ونفق مظلم ورماد وسواد مكفهر.