عبدالعزيز السماري
الختم رسم دائري يُطبع على المستندات لمنحها الشرعية، وارتبط منذ القدم بأوراق البيع والشراء والزواج والطلاق، وعادة يحمل اسم المطوع وصفته، ونظرًا لارتباطنا الديني الشديد، فقد كان لختم المطوع أدوار في إضفاء الشرعية على التحولات السياسية والاقتصادية الاجتماعية الشهيرة في المجتمع.
كان من أشهرها التعامل مع البنوك، فقد كان الموقف الديني يصل إلى التحريم القطعي في التعامل أو العمل داخل أروقتها، وكان ظهور الختم على أوراق ومستندات البنوك نقطة تحول في العلاقة مع البنوك، ومنذ ذلك اليوم أصبح التعامل مع البنك أمرًا مشروعًا وشيئًا مقبولاً..
أسهم في تغيير الموقف من المعاملات البنكية، فالفروقات في كثير من الأحيان شكلية بين المعاملة الربوية والإسلامية كما يطلقون عليها، لكن الفوائد على تلك العلاقة قد تكون متشابهة أو أحيانًا أعلى فائدة في المصرفية الإسلامية، وعادة يُبرر هذا التفاوت أن ثمن العلاقة الحلال أغلى من الحرام..
كان مفعول الختم سحريًا في التحول الكبير في العلاقة بين المجتمع والبنوك، وكان لذلك أيضًا ثمن مادي آخر، فالمكافآت الضخمة لأصحاب الختوم أكَّدت للمرة المليون أن الاقتصاد محرك رئيس لكل الفعاليات والاتجاهات في المجتمع، وأثبتت أيضًا أن ختم المطوع أشبه بالمفتاح الذي يفتح مختلف الأبواب، ولم يُختزل دوره فقط في البنوك.
فقد شهدت العلاقات الجديدة بين الرجل والمرأة دورًا جديدًا ومؤثرًا لختم المطوع، وقد تم إصدار نسخ جديدة للعلاقات الجنسية لتجاوز تعريف الزنا، كما حدث مع الربا، وكان الأمر يحتاج فقط لختم المطوع، وتم إطلاق مصطلحات أقرب للشرعية مثل زواج المسيار والمسفار وغيرهما.
بسبب ختم المطوع نشأ اقتصاد غير مرئي أو خفي يدور حول هذه العلاقات، كان أطرافه تتكون من الرجل الذي يبحث عن المتعة الجنسية، والمرأة التي تبحث عن علاقة قصيرة مقابل الحافز المادي، وأصحاب الشقق المفروشة، والخطابة التي تقوم بدور الوسيط أيضًا بمقابل مادي مجزٍ، ويضاف إليهم المطوع الذي يطبع ختمه أيضًا علي ورقة زواج مؤقتة بمقابل مادي، كثمن لإضفاء الشرعية على العلاقة المؤقتة..
وصلت هذه العلاقات إلى درجة تحديد مدة العلاقة الطارئة شفويًا، وذلك لتجاوز الوقوع في زواج المتعة الشيعي في المستند الشرعي، وعادة لا تزيد عن مدة شهر أو شهرين، ويحكمها المبلغ المدفوع، ويبدو أن هناك نشاطًا اقتصاديًا خفيًا في هذه المجال غير المرئي، ومن علاماته بروز مواقع الخطابات في الإنترنت، وكثرة المتابعين لبعضهم.
يبدو لي من مراحل تطور أداور ختم المطوع، أنه عادة ما يرضخ لرغبات المجتمع، وهو عادة ما يجتهد في تأطير الرغبة، ثم وضعها في تصور ديني، وذلك من أجل الخروج من دائرة التحريم، وكان له أدوار في غاية الخطورة، وتتجاوز مسألة الرغبات، فقد ظهرت أختامه أيضًا في قضايا التفجير، فقد نجح الختم في التأطير الديني؛ العمل السياسي لدعاة العنف، وفي تشريع قتل النفس من أجل موقف سياسي..
في اتجاه آخر كان لهذا الختم أدوار إيجابية، فقد أسهمت بعض أختامهم في تطوير بعض المفاهيم المختلف عليها مثل حقوق الإنسان وتقنين الشريعة وآليات المجتمع المدني، كما كان لبعضهم أدوار مشهودة وتاريخية في بعض التحولات السياسية التي كادت أن تعصف بالمنطقة..
في نهاية الأمر لا يمكن البت قطعًا أن هذا الختم يعني حكم الله القطعي، لكنه في حقيقة الأمر يقوم بدور الوسيط الذي يؤطر رغبات المجتمع من أجل إلا تتناقض شكلاً مع المحرمات القطعية، ولذلك كان حضوره طاغيًا عندما أحتاج المجتمع أن يقترض من البنوك، كما كان شاهدًا ومشرعًا للتحولات المثيرة في العلاقات الجنسية في المجتمع السعودي..