عمر إبراهيم الرشيد
أخذت معاني ومدلولات مسمى منظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) تتضح وتتبلور واقعياً أكثر بعد تسلم البلغارية أيرينا بوكوفا رئاستها. ليس أدل على ذلك من الالتفات إلى ما تزخر به دول العالم النامية من كنوز أثرية وتسجيلها وتشجيع استثمارها ثقافياً وعلمياً وسياحياً وبالتالي عوائد اقتصادية لتلك الدول. ثم رعاية برامج التنمية التعليمية والاجتماعية والتدريبية في الدول المنكوبة ولاجئي وضحايا الحروب، مع الاستفادة من الشخصيات العامة من فنانين ورجال مجتمع وأعمال ليكونوا سفراء لبرامجها في دولهم ومجتمعاتهم. إنما التحول الكبير في سياسة هذه المنظمة في رأيي هو قرارها الأخير الذي انتصر للحق العربي والإسلامي في فلسطين المحتلة، والذي نص على أن القدس وباقي الأماكن المقدسة كالحرم الإبراهيمي وقبور بعض الأنبياء أماكن إسلامية، وأكبر ما جاء في القرار الصادم لحكومة الاحتلال (إسرائيل) هو أن اليهود ليس لهم حق تاريخي في القدس أو آثار تربطهم فيها، وهذا تحول جذري يحدث لأول مرة في منظمة تخضع للأمم المتحدة. وواقع الأمر يجب التنويه بالجهد وحسن التنسيق العربي مع دول الاتحاد الأوروبي لتشجيع اتخاذ القرار وعدم اعتراضه من قبل الدول الغربية، كما لا ننسى أن ما ساعد على تمرير هذا القرار أن الولايات المتحدة قد سحبت دعمها لهذه المنظمة منذ سنوات، الأمر الذي لم تعد معه مسيطرة على قرارات المنظمة، مما أعطى الدول العربية وكذلك دول الاتحاد الأوروبي حرية الحركة لدعم قضاياها في جانبها الإنساني والتعليمي والثقافي.
أمر آخر يجب الانتباه دوماً له وهو أن حكومة الاحتلال بات أمرها مفضوحاً مع الثورة الرقمية بوسائل تواصلها العابرة للحواجز والقيود، مما فضح صورتها (الوردية) في عيون المواطن الغربي وكثير من صانعي القرار هناك وكذلك وسائل الإعلام التقليدي والرسمي، عن قصد أو عن جهل أحياناً. هذه الجرائم من سجن للأطفال والكبار والشيوخ والنساء، إلى مصادرة المزارع والبيوت في القدس والخليل وغيرها، إلى القتل والإرهاب الحكومي المنظم، كل هذه وغيرها جعلت مثقفي الغرب وأمريكا بل وفنانيها وبعض لاعبي الكرة العالميين يعبرون عن آرائهم دون مواربة أو نفاق، مما ساعد على فضح صورة الكيان المحتل بصورة أسرع وأعظم بحكم تأثير الشخصيات العامة والمشاهير شعبياً وعلى أجيال الشباب. ربما يقول قائل وما نفع كل هذا مادام مجرد قرار معنوي أو ثقافي ؟، فنقول إن الدول لا تقوم على مجرد أبنية وجسور وشوارع وقوات مسلحة وخدمات عامة فقط، بل أيضاً على تاريخ يثبته حتى الحجر الأصم، وعلى تراث وآثار وشواهد وثقافة وفكر له تاريخ راسخ، وهذا ما تفتقده حكومة الاحتلال وتستميت لتنسب كل حجر وبناء وأثر لليهود، وهاهم يحفرون بأيديهم وأسنانهم تحت المسجد الأقصى للعثور على هيكل سليمان عليه السلام المزعوم!.
قرار اليونسكو تاريخي ونصر ثقافي وحضاري للعرب والفلسطينيين والمسلمين كافة، وللأسف لم يأخذ نصيبه المناسب إعلامياً كالعادة، وبادرة تحسب لدول الاتحاد الأوروبي لتعاونها معنا، عسى النصر باسترجاع الأراضي العربية جميعها يكون قريباً، وما ذلك على الله بعزيز، طابت أوقاتكم.