د. جاسر الحربش
الصهيونية حركة عنصرية تفرعت من اليهودية وجعلت النجمة السداسية شعاراً لها، مثلما تفرعت النازية من المسيحية وجعلت شعارها الصليب المعقوف. الصهيونية ليست اليهودية، لا بمعنى الدين ولا العرق، وإنما تجمع أعراقا من شتى بقاع الأرض تتعبد باليهودية ووضعت هدفها المحدد احتلال الرقعة الجغرافية ما بين النيل والفرات، وهذا نص مثبت في الأدبيات المؤسسة للصهيونية العالمية. بهذا التعريف المتطابق مع الواقع، الصهيونية لا تعني اليهودية كدين ولا علاقة لها بادعاء العودة إلى أرض الميعاد التوراتية سوى بما يخدم تحقيق الخرافة بفرض الأمر الواقع.
اليهودية كديانة كانت في حالة تطبيع مع الإسلام بعد استقراره السياسي، من أسبانيا إلى حدود الصين، ولكن هل يجوز تطبيق هذا التطبيع التاريخي على الصهيونية المحتلة في فلسطين؟.
هناك طرفان يتخاصمان حالياً على النفوذ الأكبر من الجغرافيا العربية السنية والشيعية، هما الطرف الصهيوني ممثلاً بما يسمى الكيان الإسرائيلي، والطرف الفارسي ممثلاً بما يسمى جمهورية إيران الإسلامية. الطرف الصهيوني يقول لنا من النيل إلى الفرات باسم التوراة، والطرف الفارسي يقول لنا من جبال زاغروس إلى سواحل المتوسط باسم الثورة الإسلامية والمقاومة والقضية الفلسطينية، ومكة والمدينة هما هدفنا النهائي. هذا الخصام المؤقت بين الفرس والصهاينة الذي نشهده الآن مجرد نزاع على المحاصصة الجغرافية فوق أراضي العرب. من الناحية الروحية والتاريخية، الصهاينة والفرس بعضهم أولياء بعض وأقرب لبعضهم من أي طرف منهما للعرب. المشترك الأعظم بينهما هو النفور من العرب كعرق ودين وحضارة، والتقارب في المستقبل بين الصهاينة والفرس على حساب العرب هو المؤكد وليس مجرد الاحتمال.
افتراضاً ماذا لو قامت الحرب بين الصهاينة والفرس الآن، استجابة لحالة التنافس على التوسع فوق الأراضي العربية، هل يصح أو يستحب أو يجب أن يكون للعرب موقف منحاز لأحد الطرفين؟. الموقف الصحيح شرعياً وجغرافياً ووطنياً هو الحياد لعل الله يجعل في ذلك فرصة للبطة العربية العرجاء أن تنهض. لن أتحدث عن العرب المحتلين بالفعل من شيعة العراق وعلويي الشام والفلسطينيين فهؤلاء قد تم احتلالهم بالفعل وأمورهم ليست في أيديهم إلا أن يقاوموا بأنفسهم. أتحدث تحديداً عن عرب الجزيرة العربية ومصر وأفريقيا، التي تتعرض الآن لضغوط التطبيع أو الانحياز. أتوقع أن أي نظام عربي قد يغامر بالانحياز أو التطبيع مع طرف أجنبي مفضلاً له على الطرف الآخر، سوف يفقد الشرعية الدينية والوطنية والجغرافية أي أنه سوف يفقد بوصلة الانتماءات الحضارية المتكاملة، وذاكرة الشعوب التاريخية لا تتحمل المغامرة.