ناصر الصِرامي
بين ما أنا في الفضاء في رحلة طويلة استغرقت أكثر من عشرين ساعة، حتى وصولنا إلى وجهتنا بالولايات المتحدة، وتحديداً إلى المدينة الاقتصادية جاكسونفيل (Jacksonville) بولاية فلوريدا.. كنت حينها قد فوت الرسالة التذكيرية من سعادة رئيس تحرير هذه الصحيفة، الأستاذ خالد المالك، التي تصل بانتظام ونظام، إلى بريدي الإلكتروني منبهة ومذكرة بالموعد والوعد!
رحلتي فجر السبت والوصول عصر السبت لكنه أطول فجر بدأ في دبي وانتهى في فلوريدا، لكن كل ذلك ليس القصة، القصة أنني اعتزمت كتابة المقال خلال الرحلة الطويلة، رغم أني وضعت الحاسب المحمول في حقائب الشحن!، تعرفون أن شركات الطيران تحضر اليوم السفر إلى أمريكا وأنت تحمل حاسبك أو الآيباد داخل الطائرة، بأمر من واشنطن..!
لم يفتني الأمر، لكننى قررت أن أكتب المقال المعد فكرته مسبقا، عبر الجوال أو فور الوصول.
لكننى فشلت في الأولى فشلاً ذريعاً، وهانت في المحاولة الثانية، في رحلة الفجر الأولى التي استمرت أكثر من 15 ساعة بدون حاسب آلي، عاندت هذا الإجراء بمقاطعة هاتفي المتنقل أيضا، وقضيت الوقت بين قائمة واسعة من البرامج الترفيهية والأفلام الأمريكية، وبث مباشر لبعض القنوات الإخبارية، لكن المساحة الأوسع -ولله الحمد والمنة- كانت للنوم، والنوم في الطائرة نعمة عظيمة - أبعد الله عنا الحسدة والخائفين!
التفت إلى أخي فهد, رفيق رحلة العمل في استراحة طويلة بين رحلتين طويلتين أيضا، أسأله عن التوقيت، غدا صباحا (الأحد)، الموعد الذي تصل به الرسالة التذكيرية المعتادة لرئيس التحرير، صدمت حين وجدت أن ذلك يعنى الثانية فجر الأحد في أقصى نقطة بولاية فلوريدا!
الآن لا خيار لدي إما أن أكتب أو أرسل رسالة أعتذر عن موعد مقال الثلاثاء، لكن الاعتذار عن التزام مع المهنة يحرجنى، الآن نحن في الرحلة الثانية، وعلى بعد ساعة من «جاكسونفيل» العريقة، مدينة تأسست بالمناسبة عام 1791م، وأكبر من نيويورك، واحدة من أكبر وأهم القواعد المدنية العسكرية بالولايات المتحدة، كما أصبحت ثالث أكبر ميناء بحري، وتتنوع عوامل التجارة والاقتصاد فيها، لكن تاريخها واقتصادها لا يهم الآن، على أن أكتب المقال، أو أعتذر..!
طبعا كل القصة تعود إلى هذا الحرمان الذي لا أعرف حقا هل منعته قوانين أمنية تتعلق بالسلامة؟!، أم أنها مناورات اقتصادية تتعلق بالمنافسة؟!، وأقصد الحرمان من حمل حاسبي الشخصي على نفس المقعد، ولأول مرة من 15 عاما، الصاحب الثابت في السفر والرفيق الأعز، السيد حاسبي المحمول، الذي بقى لسنوات بالجوار، ها هو يفارقني لأول مرة وإجبار وبقرار أمريكي!.
في رحلة عمل مثل هذه اضطررنا إلى طباعة كل الاتفاقيات والمذكرات، أو حفظها على الهاتف الجوال، لتكون جاهزة عند الرغبة في المراجعة أو التحديث أو إعادة الاطلاع!
منع حواسبنا المتنقلة من الطيران إلى جانبنا أفقدنا فرصة العمل واستغلال ساعات السفر الطويلة، بالنسبة للصديق فهد هي كارثة، وتضييع للوقت، وتجعل من رحلة طويلة مثل هذه مملة وغير عملية. وبالنسبة لي هي نقمة ونعمة.. تمنحك مساحة من الوقت لنفسك حتى لو كانت مملة، لكنها أيضا تفقدك خياراتك في استخدام الوقت بالطريقة التي تريد!
كما أفقدتنى التركيز في كتابة مقال -مثل هذا-، خصوصا حين تكون مدفوعًا احترامًا لصحيفتي ولمتابعة رئيس التحرير، واستجابة لهذا الحرص، الذي يدعوك للاستمرار والالتزام بالموعد..
ثم تكتب وتكتب ولو من هاتف جوال مخدوشة شاشته.. قبل أن ترسل المقال.. دون أن تعرف عدد الكلمات، ودقة التنسيق.. معتمدًا على حرص الزملاء واهتمامهم..
ودائماً شاكراً بالتأكيد لنعمة الكتابة وعشقها.. ومردداً الجزيرة تكفيك!