د. حسن بن فهد الهويمل
كلما قرأت قول الباري :- {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} خشيت أن يتلبس بها أقوام من بني جلدتنا، ينعمون بخيرات البلاد, ثم لا يبالون بأي واد ذهبت تلك الخيرات.
لست مهتماً بالوافدين الذين شُرِّدوا من ديارهم, ليجدوا الأمن, والكسب, وحفظ الكرامة، ولمَّا يرع بعضهم هذه النعم حق رعايتها، بحيث كان همهم أن تمتلئ جيوبهم, وبطونهم. والبلاد لا تخلو من وافدين أوفياء, يعرفون لذوي الفضل فضلهم.
عتبي لا يقف حيث يكون نكران الجميل من غير المواطنين, فبلادنا مشرعة الأبواب. ولا بد - والحالة تلك - أن تكون فيه فئات رديئة, تحسدنا على ما آتانا الله من فضله.
وإذ يكون العتاب موجهاً للمقصرين من أبنائنا, الذين ولدوا على تراب الوطن, ودرجوا فوق أديمه, ونعموا بأمنه, ورخائه, واستقراره، وعرفوا أن حبال الفجائع ملتفة حول الأعناق, ثم لا يكون تمعر، ولا تحرف, أو تحيز .
- وكيف لا يجد المواطن ثغراً يحميه, أو مهمة ينهض بها. وفي الأثر:- (كُلّكُم رَاعٍ وكلُّكُم مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
والأسوأ من ذلك كله أن يكون المقتدر (براقشياً) لا تراه إلا حيث تكون المناكفات بين أطياف المجتمع. أو تراه مخدوعاً بالمستجدات: السياسية, أو الفكرية، يمنحها ولاءه المخل بانتمائه الديني, والوطني, ويتعمد الاستفزاز, والإقصاء، ومصادرة الحق المشروع . وسيان عندي متدين متطرف, أو متعلمن متذيل
في حين أن المشهد قد يتسع لكل الخطابات، متى كان الاختلاف معتبراً, وغير مخل بثوابت الأمة: الدينية، والوطنية, والسياسية.
المواطن يجب أن يكون رجل أمن, ورجل دين, ورجل إعلام, مُسَدِّداً، ومُقارباً، ومتيقظاً لكل المتداول, داخل وطنه، وخارجه، مما له تأثير على مثمنات الوطن: الحسية, والمعنوية . بحيث لا تمر به المكائد, وكأنها لا تعنيه.
المملكة تواجه حروب (مخدرات) و(تضليل فكري) و(افتراء) و(إفساد) و حروب (طائفية) و(عرقية) و(نفسية) أعدت لها عدتها من قنوات, ومواقع, واستقطب لها مرتزقة يبيعون ألسنتهم, وأقلامهم، وإمكانياتهم بأبخس الأثمان. وسائر المؤسسات الحكومية لا تنهض وحدها بكل متطلبات المواجهة.
والمعزز لهذه الحملات أن فينا سماعين لهم, يتقبلون المفتريات،ويشيعونها . ولو أنهم وأدوها في مهدها لخسر الأعداء، وخابت آمالهم.
لقد واجه بيت الطهر, والعفاف، والحصانة، والرزانة (حديث الإفك) وتلقفه ثلاثة من الصحابة، سايروا المنافقين في إشاعته. ولو ظنوا بأنفسهم خيراً لما أذعنوا لتلك المكائد المغرضة من المنافقين، ومن شايعهم.
وكأني بالتاريخ يعيد نفسه. إذ نَجِدُ من يتلقى الشائعات المغرضة،ويجتهد في تعميق أثرها، وتوسيع انتشارها.
لقد تقعرت عندي الرؤية, لأنني مُسْتَقْبِلٌ مفتوح, غير هياب،ولا وجل، أقرأ لخصومي في مختلف التيارات الفكرية . واستمع لأعداء بلادي، وأحس أن الحربَ الإعلامية منظمة, ومتعوب عليها، ومُجَيَّشٌ لها كفرةٌ فجرةٌ.
والأجهزة الإعلامية الرسمية غير قادرة على التصدي لكل هذه الفيوض . ولا سيما أن هناك وسائل إعلام غير تقليدية, أقوى تأثيراً، وأوسع انتشاراً، وأكثر جاذبية، يديرها ( منافق عليم اللسان) أو (متخلل بلسانه كما تتخلل البَاقِرَةُ).
وكثرة ترديد المفتريات يكرسها في الأذهان . وقد يحمل الدول المؤثرة،وأجْهِزتَها على اتخاذ مواقف رسمية من فحوى هذه المفتريات.
هذا التضليل المخيف يَشغلُ الدولةَ عن قضاياها الأكثر أهمية، وخطورة .ولا سيما أن الدولة محورية, مؤثرة في مختلف الأحداث العالمية, وشَغْلُها بالهوامش, يمكن اللاعبين المهرةَ، من إنفاذ ما يريدون.
وفي ظل هذه التناقضات التي يغفل عنها البعض منا, يأتي دور المواطن في التصدي، والصمود .
نحن بحاجة إلى توحيد الجهود, والتنسيق فيما بينها، وإنشاء منظمات،وهيئات وطنية تطوعية للمتابعة،والرصد، والمواجهة.
الحرب الإعلامية ليست مرتجلة،وليست فردية،والتهاون بها تفويت للفرص, وتمكين للأعداء من الرقاب.
المملكة دولة قوية, ومؤثرة, ولها حضورها الفاعل على كل الأصعدة : السياسية،والاقتصادية،والقومية،والإسلامية, اقليمياً، وعالمياً.
وعشاق التوسع, وتصدير الثورات, والطائفيات, والتشفي العنصري يعرفون أنها حين تَرْمِي بثقلها في أي قضية, فإنها تحقق مزيداً من الانتصارات المجهضة للأحلام الطائشة.
ولهذا يتعمد الأعداء توهين عزماتها, وتشتيت جهودها، وتشويه سمعتها, وجر قدمها.
لقد سمعت من علماء, ومفكرين،وإعلاميين كلمات ضالة مضلة, تدل على جهل، أو حقد. ولم أسمع من أندادهم القادرين على التصدي ما يجهض هذه المفتريات . ومرور مثل هذه الشائعات الجائرة دون مساءلة, يغري من دونهم بتلفيق التهم, وإشاعة قالة السوء.
لست بحاجة إلى تسمية المرتزقة شُوْهِ الوُجُوهِ،الذين يبيعون إمكانياتهم في سوق النخاسة الفكرية, فهم معروفون.
ما أوده من أبناء هذا الوطن أن يكونوا في مستوى إمكانيات وطنهم، ومكانته . وأن يعرفوا أن دفاعهم التطوعي أجدى من إسهامات القطاعات الرسمية المثقلة بالمسؤوليات المتكاثرة.