علي الصراف
النظر إلى أهل السُنّة على أنهم «طائفة» بين المسلمين ينطوي على تبسيط خطير، وعلى خلل أخطر في الفهم. وهو خللٌ مصدره معروف، ومقصده واضح.
أهل السنة هم الأصل، أولا. لأنهم أهل الأخذ بسنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من قبل أن تنشأ المدارس الفكرية المختلفة التي تحولت إلى ما يفترض أنها «مذاهب»، وبالتالي، من قبل أن تتحول إلى «هويات» زائفة و»طوائف» أزيف.
إنهم أيضا (احتراما للتاريخ) كل الخلفاء الراشدين، بمن فيهم من سعى بعض المنافقين إلى التمييز بينهم أو «طأفنة» أحدهم من قبل أن توجد «طوائف» أصلا.
إنهم «جمهرة» الإسلام، وأغلبيته الساحقة. والأغلبية، ولو بالمعنى العددي البسيط، لا يصح أن تُستصغر لتبدو وكأنها مساوية في القيمة والوزن لمجموعات طارئة او فرعية أصغر.
وما طرأ على الإسلام كثير، ولكن بقي الأصل، شديدا، قويا، معافى.
إنهم «أهل الكتاب» الذين لا كتاب آخر لهم! حفظوه، وتدارسوه، وسعوا إلى فهمه وإلى الامتثال لقواعده وشروطه، ولكنهم لم يتأولوه من أجل أن يستخرجوا منه كتابا بديلا، لا غنوصيا ولا عرفانيا.
إنهم أهل الإسلام بجملته، بماضيه وحاضره ومستقبله في آن معا. وهم التيار العريض والجارف فيه، الذي جرف الكثير من دون أن يسمه ضرر أو سوء، بل ومن دون أن يجرفه تأويل على صحيح الفهم الأصيل.
إنهم العمود. وهم الخيمة أيضا التي يستظل بظلها مليار ونصف المليار من المسلمين.
وهم السند الذي يحيل العابدون والدارسون والفقهاء إليه. ولئن اختلفت فيهم بعض القراءات، فإنها إذ تستند إلى ذلك السند، فإنها لم تسفر عن «طوائف» متناحرة ولا متفاوتة في الأسس ولا حتى في الفروع.
وأهل تلك القراءات (أو «المذاهب») أبرأ من أن يكونوا «طائفيين»، وهم لم يعرفوها في الأصل، بل كانوا «سنة» جميعا. والأصل في «المذاهب» أن واحدها «مذهب» أو «طريق» إلى التقوى، تستند إلى الأصل الواحد نفسه. وكل الطرق إلى الله عز وجل توصل إليه إذا كانت مخلصة لدينه وشريعته و...سُنة رسوله الكريم.
بمعنى آخر، فإنه ما من أصول على الأصل بين «مذاهب» السُنة الأربعة، ولا انحرافات عن الأسس التي أجمع عليها المسلمون.
إنهم ليسوا «طائفة»، لأنهم المجموع! ولأنهم الشمل الشامل، الذي ظل قادرا على الاستيعاب والضم، بالعطف والرحمة، وبسعة الصدر التي يستمد قيمها المسلمون من سنة الرسول الكريم الذي لم يرض أن يُساء حتى لمن أساءوا إليه.
إنهم المعنى من خلف السعي وراء الامتثال بتلك السنة الفاضلة لرجل بُعث بينهم ليتم مكارم الأخلاق. وليتخذ منه جَمعُ المسلمين أسوة حسنة. وتلك «الأسوة الحسنة» هي «السُنة» بالذات.
إنهم المعنى وراء المعنى، بأنهم تابعون لرسولهم، مسترشدون بسيرته المباركة، وهم الذين، بجملتهم، على طريقه ماضون.
ويا صاح...
إنهم أهل هذا الدين.
فكن ما شئت أن تكون. ولكنك إذا ارتضيت دينهم، فأنت منهم. ولهذا السبب، فإنهم ليسوا «طائفة» بين «الطوائف». وهم ليسوا فرعا، لأنهم الجذع المتين. وهم الجبل الذي لا تستطيع أن تساويه بتضخيم بعض حجارة فيه.