أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فلقد حبى الله عز وجل ومَنَّ على هذه البلاد المباركة الطاهرة بأن قيض لها رجالاً مخلصين، وقادة أوفياء، وحكاماً حكماء، فالمملكة العربية السعودية تزهو متفردة في نظام حكمها الصالح، وولاة أمرها الراشدين توالى على ذلك حكام آل سعود منذ أن أقام الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- حيث نصر دعوة التوحيد، فكان التجديد، وتنقية العقيدة مما شابها من بدع وخرافات، وانطلقت دعوة التوحيد، فأثمرت ولله الحمد ما نعيشه من نعم لا تحصى ولا تعد، وذلك مصداقاً لوعد الله لمن حقق توحيده، وحكم شريعته، ورفع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" وقال سبحانه وتعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
ولقد جاءت مقابلة الأمير النابه، والقيادي الملهم، من جمع بين حكمة الشيوخ, وطموح الشباب، سليل المجد، ووريث العز ولي ولي العهد وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي خص بها التلفزيون السعودي، وتناقلتها عنه وسائل الإعلام العربية والعالمية، دعما منه -حفظه الله- لإعلامنا الرسمي, وسعياً ليكون في مصاف الريادة ومستوى المنافسة لا سيما في هذا الوقت الذي يمثل فيه الإعلام دوراً غاية في الخطورة على مستوى العالم أجمع، هي كذلك رسالة لما يجب أن يقوم به إعلامنا من جهد وحضور فاعل عبر كافة وسائله وقنواته، وهذا الدعم والمؤازرة الدائمة لمؤسسات الوطن وقطاعاته هو ديدن قادة هذا الوطن الغالي، الذين ما فتئوا يقدمون الغالي والنفيس لكل ما من شأنه رفعة الوطن والمواطن.
إن المتابع لما جاء في هذا اللقاء المهم، والمقابلة الثرية، والتصريحات والإجابات الموفقة والمسددة التي أوردها سموه الكريم وأوضحت عن شخصية واعية مدركة للأحداث والتحولات والمتغيرات، سائرة على نهج ولاة أمرنا الذين يجعلون أهم المهمات وأولى الأولويات التمسك بالثوابت التي قامت عليها هذه البلاد، والأصول التي بنيت عليها، منذ تأسيسها على يد الموحد الباني المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله, وجعل الجنة مأواه-, وحتى هذا العهد الميمون, والعصر المبارك عصر سلمان الحزم والعزم، سلمان الوفاء والمكرمات، رجل التأريخ وقائد التحولات الكبرى التي جنب الله بها وطننا العزيز فتناً عظيمة، فكانت قيادته وفترة حكمه الممتدة بإذن الله امتدادا للدور العظيم الذي قامت به هذه الأسرة الماجدة، وانطلاقاً من الإخلاص للدين والوطن.
فهذه البلاد ارتكزت على أساس الدين، ومقاصده، وقامت على أشمل منهج وأساس يجمع بين أصالة المبادئ والأسس والقواعد, ومعاصرة الرؤية والأساليب والوسائل وهذا هو المنهج الذي يحمل قادتنا الأماجد -أيدهم الله- أمانته ومسؤوليته، وبذلك فإننا ندرك سرًّا من أسرار العز والتمكين الذي أيدهم الله به, وهذه الثوابت التي يعززها ويقويها اعتمادها الكتاب والسنة دستورًا للبلاد وأساسًا للحكم, ومنهجاً لكافة شؤونها ومادة أولى ورئيسية في نظامها الأساسي للحكم.
إن التأكيد على خصوصية بلد التوحيد: المملكة العربية السعودية, ليس أمراً مستغرباً من أميرنا المبارك -حفظه الله- فوطننا العزيز هو مهبط الوحي, وموئل الإسلام, ومأرز الإيمان, ومهوى الأفئدة, بلاد اصطفاها الله واختارها بلدًا لهذه الرسالة الخاتمة، ولا شك أن المسلمين في كل مكان ينظرون إليه نظرة خاصة، ويعيش في وجدانهم ومشاعرهم، ففيه قبلتهم التي يستقبلونها كل يوم خمس مرات في صلواتهم، وفيه مسجد نبيهم صلى الله عليه وسلم ومنبع رسالته ومنطلق بعثته، وإليه يشدون الرحال حجاجاً أو معتمرين، ولذا وجدنا اهتمام وسائل الإعلام في العالم أجمع بحديث سموه الكريم واهتمام المسلمين به في كل مكان، لأنه أبرز العمق الإسلامي لهذه الدولة العظيمة المملكة العربية السعودية، ومكانته في الرؤية الطموحة التي تمثل حلم الوطن، وطموحات المواطن.
إن هذا الدور الذي تمثله المملكة للعالم أجمع عموماً وللعرب والمسلمين خصوصاً هو ما أكده سموه الكريم في معرض حديثه عن قضايا وملفات المنطقة فأكد سموه على أهمية دعم الأشقاء في اليمن في وجه المليشيات الحوثية الإيرانية الإرهابية المفسدة، ودور عاصفة الحزم وإعادة الأمل في تجنيب اليمن أخطار ومآسٍ، وفتن وشرور أرادها بها أعداء العروبة والإسلام، ذلك الموقف العظيم، موقف العزة والكرامة، والنصرة المشروعة بعيدًا عن المزايدة بالشعارات، الذي انطلقت فيه بلادنا من أصول شرعية، ومقاصد مرعية، وضعت الأمور في نصابها، وحفظت الحقوق والحرمات، ونصرت المظلوم، وسعت في حماية ثغورها، ودفع الشرور المتوقعة ممن تأريخهم مليء بالغدر والخيانة، إنه الموقف الحكيم الذي نصرت به الجار الشقيق في يمن الإيمان والحكمة، بعدما فرضت الظروف هذا التدخل الضروري، وكان بسببه ما حمده أهل الحق بكل لسان، وحقق التوازن المطلوب، ودرأ الخطر الواقع والمتوقع، وتحقق الأمل لأهل اليمن بإنقاذهم من أهل الغدر والظلم الذين باعوا ضمائرهم، وهم على استعداد أن يسلموا بلادهم كما سلموا دينهم، وفي الإطار الداخلي حمى الله الثغور، وحفظ هذه البلاد، وكان بسبب ذلك الحفاظ على أعز المكتسبات، وأهم المطالب الضرورية: الأمن الذي لا تقوم الحياة إلا به، ولا تتحقق الغايات في الدين والدنيا إلا بكماله وشموليته بعيدًا عن المخاطر والمهددات.
إن تأكيد سموه - حفظه الله - على الحرص على الأرواح وتجنيب اليمن آثار الحرب ولو طالت مدة الحرب ليظهر للعالم أجمع عمق المبادئ والقيم التي قامت عليها هذه البلاد وطيب معدن قادتها ونقاء معتقداتهم، فقد قدموا الاعتبارات الدينية والإنسانية وحفظ الأرواح والممتلكات، ولم يسعوا لتحقيق انتصار زائف وتسجيل بطولات وهمية كما فعل أبناء المجوس بجلب المرتزقة وقتل المدنيين وتهجير البشر واستخدام الأسلحة الكيميائية لتحقيق مصالحهم الاقتصادية ومآربهم التوسعية، وسيكون مآلهم بإذن الله إلى خسران، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ).
إن حق الدفاع الشرعي عن النفس وواجب النصرة للمظلوم، ودفع الظلم والعدوان عن الأوطان مما أجمع عليه المسلمون وهو غرض من أغراض الجهاد المشروع ونصت عليه جميع الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، فقد أكدت على حق الدول والشعوب في الدفاع عن النفس وصد العدوان، فالمملكة العربية السعودية وشقيقاتها من دول الخليج والدول العربية والإسلامية، لم تجنح إلى القوة المسلحة إلا بعد أن استنفدت كل السبل السلمية لردع المعتدين وثنيهم عن مواصلة عدوانهم وخروجهم المفضوح على الشرعية، وبعد أن أصبح واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار أن الهدف التوسعي الأجندات الخفية، والأطماع الطائفية هي المحرك والداعم للحوثيين بالسلاح والعتاد والخبراء بما يشكل اجتياحاً واحتلالاً عسكرياً وسياسياً وفكرياً لليمن الشقيق، وتهديداً حقيقياً لأمن واستقرار اليمن ودول الجزيرة العربية، بل ودول العالم الإسلامي، فالحوثيون يقومون بحرب وكالة عمن يتفق معهم في العقيدة والفكر والمنهج ذلك أن العصابة الحوثية المجوسية الرافضية انشقت في الأصل عن المذهب الزيدي وهي تنتسب إلى فرقة الجارودية الاثني عشرية وهي حركة تمرد باطنية خبيثة تأسست في صعدة شمال اليمن، وتسعى لتصدير هذه الثورة وطمس هوية اليمن الشقيق، وإذابة السنة فيها ولكن تأبى حكمة الله أن يتغلب الباطل ودعاته.
إن حرص سموه على التأكيد على عمق العلاقات السعودية المصرية وأنها في أفضل المستويات لهو أوضح تأكيد على حرص المملكة العربية السعودية على علاقتها بأشقائها العرب، وقطع الطريق على من يريد توتير هذه العلاقة لإحداث الشرخ بين أهم دولتين عربيتين من (إعلام إخونجي) وما تابعه من وسائل إعلام مغرضة أو تنظيمات إرهابية وجماعات حزبية، وعلى رأس تلك الجماعات الجماعة الأم التي فرخت التنظيمات الإرهابية، وكان لمبادئها وأفكارها التي تعاهد منظروها (الإخونج) على أن لا تظل مجرد أفكار، بل سيقدمون لها ما استطاعوا، ويحولونها إلى خطط عمل، إنها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وعلى ما تفرع عنها من تنظيمات، فهم وراء الأزمات التي تعيشها دولة المنطقة، ويحركون الفتن بكل وسيلة، لأنه لا يحكمهم مبدأ، ولا يمنعهم معتقد، فالغاية تبرر الوسيلة، وقد يجتمعون مع اختلاف الأفكار والأيديولوجيات إذا توحدت الغاية السياسية والباحث المطلع على فكر هذه الجماعة منذ تأسيسها على يد مؤسسها حسن البنا ومروراً بجماعة التكفير والهجرة التي خرجت من رحمها، وتشكلت من أبنائها، وحتى جبهة النصرة والجماعات التي تجرف شبابنا إلى ما يسمى بميادين الجهاد، يجد أن صلتها بتلك الجماعة وثيق، وأنها تفرعات لهذه الجماعة بصورة أو بأخرى، لأن من أسس هذه الجماعة أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن ما يحقق هذه الغاية فهو مشروع ولو كان بالتعاون مع أي مخالف كما ذكرنا.
هذه الجماعة هي أصل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي عانى منها المسلمون قبل غيرهم كتنظيم القاعدة بفروعه، وداعش والتنظيمات القائمة الآن في سوريا كالنصرة وغيرها، وصلتها تأريخياً وفكرياً أمر يمكن إثباته بما لا يدع مجالاً للشك في خطورتها، وضررها وتبنيها لكل فكر إرهابي.
وما توافرت عليه من أفكار ومبادئ تغذي الفكر الأممي بصورته المنحرفة التي لا تعترف بالانتماء الوطني، بل إنها أفكار تدمر كل نبتة للمواطنة الصالحة، وانتماء للوطن وولاته، ليصبح الانتماء، حزبياً والولاء الفكري لقيادات الأحزاب والتنظيمات، والعمل الدؤوب لنصرة هذه الأفكار والتضحية لأجلها، وهذا شأن ليس بدعاً، ولا جديداً في شأن هذه الجماعة، فالمتأمل الراصد لحراكها يدرك بجلاء أنها آلية يتم بها التدرج في استغفال المجتمع والشباب على وجه الخصوص منذ فترة مبكرة وترتيبهم على هذا الولاء والانتماء وتعظيم قادتهم ومنظريهم.
ويبرز خطرهم وضررهم ما أفرزته الأحداث التي لم تقتصر على بلد أو وطن وسرت إلى المجتمع الإقليمي والإسلامي والعالمي، فقد صار ديدنهم التشويش والإرجاف والفتنة، والضرب على وتر القضايا والنوازل والمتغيرات التي تمر بالعالم لتوظيفها لما يريدون والوصول إلى مقاصدهم ومراميهم، واستحلال كل ما يوصل إليها حتى لو بالكذب، ورغم البيان الذي أوضحه العلماء من أفكارهم، وبنوه على قواعد الشريعة ومقاصدها إلا أن العمل المؤدلج الذي يخدم الأفكار والجماعات المتطرفة دائماً ما يحاول فصل الشباب عن هذه الفتاوى وعن تأثير العلماء، بإلصاق التهم، وتحميل الأقوال والمواقف والفتاوى ما لا تحتمل، ليتم لهم ما أرادوا من تمرير أجندتهم تحت هذه الظروف المختلفة.
ورغم ما يعلنونه من براءتهم من جماعات التكفير والتفجير والغلو والإرهاب إلا أن الواقع يؤكد صلتهم بهذه الأفكار وخصوصاً المبادئ التي أعلنها مؤسس الجماعة، والمصطلحات التي تتكرر لديهم من الجاهلية، والحاكمية وهي أساس الأفكار التي تبشر بالخلافة زعموا، وتكون مبطنة بما يسقط شرعية الأنظمة، وتضليل الناس بذلك.
هذه وغيرها مما يمكن الاطلاع عليه وقراءته في فكر الجماعة وما تفرع عنها يؤكد سعيها الدائم لإحداث الشرخ في العلاقات, لاسيما السعودية المصرية التي هي أساس في العمل العربي والإسلامي المشترك، ورأس حربة في مواجهة الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم، وقد آن الآوان أن تتراجع هذه الجماعات والتنظيمات التي اختطفت أبناء هذا الوطن وأبناء المسلمين في العالم للزج بهم في أتون الفتن والمشكلات، وآن الأوان أيضاً أن يعلم الشباب وعموم أبناء الوطن نعمة الله عليهم بهذا الوطن العزيز وقيادته التي لا نعلم لها في الواقع المعاصر نظيراً، فهاهي تضرب مثالاً في الغيرة على الدين وعلى اللحمة والجماعة والوحدة على مستوى المملكة العربية السعودية ودول العالم العربي والإسلامي، وهذا مصدر افتخار واعتزاز، فهذه الدولة حرسها الله وحماها دولة سُُُنِّية سَنِيِّة سلفية، تقوم على الأصلين الصافيين، وتهتدي بهما على نهج سلف الأمة، وكما تحكمها وتتحاكم إليها فهي أيضاً تقاوم الفتن والمشكلات أخذاً بوصايا أرحم الخلق وأنصح الخلق وسيدهم صلوات الله وسلامه عليه في الفتن، حيث أوصى بهذا الأصل العظيم، الذي هو من أعظم مقاصد الشريعة، وأهم ضماناتها لحفظ الدين والعقيدة والأمن، والألفة والاجتماع على الوحدة، والبعد عن مسببات الفرقة والتناحر والخلاف والاختلاف، فحينما أشار إلى ظهور الفتن، وإلى الدعاة الذين هم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ومع ذلك يدعون الناس إلى نار جهنم عياذا بالله "دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها" حينها كانت الوصية الجامعة المانعة، التي نحتاجها في هذا العصر الذي رفع فيه أهل الفتن والتحزبات عقائرهم، وجيشوا عقول الناشئة، وشحنوها بما يسقطهم في أتون الفتن والمشكلات، فقال صلى الله عليه وسلم "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".
لقد استخدمت إيران المجوسية هذه الجماعات منذ نشأتها والعالم أجمع يعلم أن هذه الجماعات المتطرفة لم تقم بأي عمل ضد إيران التي احتضنتها وآوت قادتها، ووفرت لهم الدعم اللوجستي لانطلاق أعمالهم التخريبية وأنشطتهم الإجرامية في بلاد المسلمين وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بما تحمله من رمزية للمسلمين. فكانت إيران ومعها هذه الجماعات معول الهدم ورأس الشر الذي يقف خلف تطبيق خطط تقسيم بلاد المسلمين وتمزيقها وبث الفوضى فيها، وقد رأينا ما حل ببلدان العرب في سوريا ومصر واليمن والبحرين وغيرها من البلاد التي عانت وتعاني من شرور هذا التحالف المعادي للإسلام وأهله.
ومن هنا جاء حديث سمو ولي ولي العهد عن هذه الدولة المجوسية الخبيثة، الراعية للإرهاب والإرهابيين، المصدرة للخراب والدمار والمرتزقة، الحاقدة على العرب المتحالفة مع أعداء الإسلام، فلا مجال للتهاون والتخاذل مع من يريد النيل من أمن وطننا الغالي وعقيدة أبنائنا المخلصين، وتصدير ثورته الخمينية الآثمة، ومد النفوذ الصفوي الخبيث تحت غطاء نشر المذهب الجعفري الاثنا عشري بعقائده الفاسدة المفسدة.
وإذا كان سمو ولي ولي العهد قد أجاد وأفاد في تناول القضايا الخارجية والسياسة الدولية، فلقد كان حديثه كافياً شافياً في قضايا الوطن والمواطن، وملفات الاقتصاد والتمنية، فقد بين سموه حيثيات صدور الأوامر الملكية الكريمة التي استبشر بها أبناء الوطن، ومثلت نقلة نوعية في سرعة استجابة اقتصاد المملكة العربية السعودية للتحديات وتقلبات الأسواق، وتلك الإجراءات هي عين الحكمة والعقل، وأثمرتها تلك الرؤية المباركة السديدة التي تعتمد المنهجية الدقيقة، والتوازن المطلوب لمواجهة الأزمات، وتستدعي مواطن القوة وفرص النجاحات، ومكامن الإبداع، وعوامل التأثير في التغيير الإيجابي الذي يخفف الاعتماد على مصدر واحد، ويجعل المسيرة الاقتصادية تتكيف مع الواقع الإقليمي والدولي، وتجابه المخاطر والمهددات، ومن هنا فإن رؤية المملكة 2030م، وبرنامج التحول الوطني 2020م هما صمام الأمان بعد حفظ الله وتوفيقه وتسديده، وقد أوضح سموه تقييم الأثر على الفترة الماضية رغم وجازتها إلا أنها أظهرت الحكمة والحنكة وسلامة التخطيط وقوة البناء ولهذا فإن هذا الأثر الذي يعد مؤشراً لما بعده يجعل المواطن يجزم بأنها كانت رؤية محكمة، وعملاً مباركًا، يحفظ حق الأجيال القادمة، ويؤسس لقوة اقتصادية عظيمة، وواقع مثالي بما يحقق للمواطنين الرخاء والسعادة والتقدم والرقي في مختلف المجالات، وهذا من مقاصد السياسة الشرعية الكبرى، فرعاية مصالح المسلمين والقيام على شؤونهم وحفظ أوطانهم مما من شأنه أن يؤثر عليهم بالسلب في أي مجال لاشك أنه من واجبات الإمام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-"فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه، وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله؛ فقد روي :{يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة}، وإنما الإحسان إلى الرعية فعل ما ينفعهم في الدين والدنيا، ولو كرهه من كرهه، فإن الواجب على ولاة الأمور سياسة الناس بما يحقق مصالحهم في الدارين واتخاذ الوسائل التي تحقق تلك الأهداف، كتطوير مؤسسات الدولة وتحديث مرافقها وأنظمتها، واتخاذ ما ينفع من الوسائل ولو كانت مفضولة، كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله- حيث أورد في فتح الباري: "والذي يظهر من سيرة عمر-رحمه الله - في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالالشرع منها، فإمام المسلمين له أن يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم، ولو كان مفضولاً، ما لم يكن حرامًا، فمثل هذه الرؤى التي تنظر للمستقبل البعيد برؤية الخبير الذي يعتمد مواطن القوة، ومكامن التميز، ويتجاوز نقاط الضعف لاشك أنه يحقق هذا الهدف السامي، ويسير به الحاكم على خطى السلف الصالح رحمهم الله، ولا سيما أن من أهم المقاصد علو الدولة ونمائها، وتبوئها ثقلا محلياً وعالميا يليق بها، ويحقق الغناء عن الأمم الأخرى، وذلك مقصد آخر ذكره العلماء رحمهم الله، لأن استغناء الأمة الإسلامية ودولها عن الأمم الأخرى على النحو الذي لا يترك للأمم الأخرى سبيلاً للهيمنة والنفوذ على بلاد المسلمين ومقدراتهم واجب شرعي ولا ريب، ولتحقيق ذلك الهدف فلا بد من الاعتماد على العلوم الحديثة في التخطيط والتطوير ورسم الرؤى التي باتت الحاجة إليها ماسة في واقع الأمم اليوم، وبهذا يتضح أن التخطيط والتطوير من وسائل السياسة الشرعية المنوطة بولاة أمور المسلمين، وفيها من المصالح المرسلة التي تندرج تحت قواعد جلب المصالح ودرء المفاسد أو رفعها وهي أمور تراعى في جميع أبواب الفقه والسياسة ، وتستند إلى هذه القواعد المهمة التي لابد من مراعاتها يقول علاء الدين الطرابلسي الحنفي: قال القرافي: واعلم أن التوسعة على الحكام في الأحكام السياسية ليس مخالفا للشرع, بل تشهد له الأدلة المتقدمة, وتشهد له أيضا القواعد الشرعية من وجوه. أحدها: أن الفساد قد كثر وانتشر بخلاف العصر الأول, ومقتضى ذلك اختلاف الأحكام بحيث لا تخرج عن الشرع بالكلية لقوله (لا ضرر ولا ضرار)، وهذا التأصيل الذي أوردناه، والذي يعتمد مصادر الشريعة ومواردها لمعرفة مسؤولياتنا تجاه ما يقوم به ولي الأمر من السياسة الحكيمة تأسيسا وتطويرا ولاسيما أن المصلحة ظهرت بشكل يخرس الألسن الحاقدة، ويفرح القلوب المطمئنة الصادقة، ويظهر حكمة القادة وولاة الأمر وحرصهم وعظم النعمة بولايتهم ما يوجب الوقوف خلفهم ودعوة الناس للتوحد ونبذ الفرقة، وعدم التشغيب على هذه القرارات التي تهدف إلى صالح البلاد والعباد، ومن واجب العلماء والدعاة بيان الحق وتبصير الناس بما فيه صلاح دينهم ودنياهم، ونبذ التحزب والفرقة، ومواجهة المشككين الذين هدفهم زعزعة استقرار البلاد، ونشر الفرقة والتباغض والتحزب المقيت، وإساءة الظن بالعلماء والولاة فيما يصدر عنهم ولو أن المصالح كالشمس وضوحاً، وهذا من أعظم الفساد الذي يؤسس لمنومة من الأعمال والتصرفات التي تؤدي إلى ذلك، فالواجب سد هذه الأبواب ودعوة الناس لطاعة ولاة أمورهم فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله، وأداء حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله، والتعاون معهم لما يصبون إليه من عزة ومنعة هذه البلاد وأهلها، امتثالاً لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
إن من دروس هذا التخطيط الإبداعي ما أوضحته تلك المقابلة المهمة من ضرورة الاهتمام بالتنمية الشاملة وفق منهجية واضحة، وخطط علمية، ترفع كفاءة الأداء، وتتعامل مع الحاضر وتستشرف المستقبل من أجل التوجه نحو تنوع مصادر الدخل، ورفع مستوى الإسهام، والمشاركة في البناء من الجميع، وبما يستوعب التحولات المختلفة إقليميا ودوليا واستحقاقات المستقبل وخططه بصورة تدريجية واقعية في أولويات مرتبة، ستنعكس بإذن الله تعالى لمواطن هذه البلاد رفاهيةً وازدهاراً، في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية، والإسكان والموصلات، بل حتى في المجالات السياسية، فهنيئًا لنا بمملكتنا الغرّاء، وهنيئًا لنا بولاة أمرنا الأوفياء، الذين خططوا بإبداع، وأبدعوا في التخطيط، وقدموا الشواهد الناصعة، والبراهين القاطعة على تحمل المسؤولية كاملة عن هذا الوطن وثرواته ومقدراته، وحسن التخطيط، وسلامة البناء، فاللهم أدم أمننا، وأنجح قصدنا، وبارك سعينا.
وإن هذه الأرقام والمؤشرات والخطط بعيدة المدى تدل على الجهد المبذول للارتقاء بالوطن والمواطن، وتمثل حلقة جديدة من حلقات النجاح التي يحققها هذا الوطن المبارك، ومن واجبنا جميعاً شكر الله والثناء عليه بما حبى هذه البلاد من الخيرات والبركات، وبما أنعم عليها من النعم والحسنات، ورفع الأكف إليه سبحانه وتعالى أن يبارك في جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله وزادهم عزة وتمكيناً، ومن حقهم علينا الوقوف صفاً واحداً تحقيقاً لهذه الرؤية المباركة والسعي لتحقيقها، لينعم هذا الوطن المجيد بخيراتها، وينهل من معينها. ونسأل الله جل وعلا أن يحفظ على بلادنا أمنها وإيمانها وولاة أمرها، وأن يجعل ما قدموه ويقدمونه في موازين حسناتهم، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.