فضل بن سعد البوعينين
نجحت المملكة في استضافة أعمال منتدى اليونيسكو السابع للمنظمات غير الحكومية الذي نظمته مؤسسة الأمير محمد بن سلمان «مسك الخيرية»؛ كأول دولة عربية تستضيف المنتدى. انفتاح المملكة على المنظمات الدولية جزء مهم من «الدبلوماسية الناعمة» القادرة على تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة حول السعودية وإقتصادها وثقافة شعبها وتنوع مجتمعها وقدرة شبابها على الإبداع والعمل والتعايش مع الجميع.
حضور أكثر من ألف و800 شخص من 70 دولة في العالم كفيل بنقل مشاهدات وتجارب واقعية عن المملكة؛ وشعبها؛ وشبابها الطموح المتطلع لإحداث التغيير الإيجابي في جميع القطاعات وفي مقدمها القطاعات المجتمعية والاقتصادية والفكرية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك التغطيات الإعلامية العالمية؛ والتقارير المتخصصة تصبح الصورة أكثر إشراقا وتأثيرا. من الظلم تأطير المنتديات العالمية بمواضيعها المحددة سلفا؛ وعزلها عن المؤثرات والمكاسب الأخرى التي يمكن أن توازي في أهميتها أهمية المخرجات الرئيسة ما يستوجب العمل الدائم على جذب المنتديات العالمية المرتبطة بالمنظمات الدولية الفاعلة. الانعزال القسري عن الأنشطة الدولية لمحاذير مجتمعية أو تنظيمية قد تفوت على المملكة مكاسب متنوعة نحن في أمس الحاجة لها؛ ويحسب لـ «مسك» مبادراتها النوعية واستضافتها المنتديات العالمية المتخصصة.
تمكين الشباب والفتيات وتحفيزهم على الإبداع أمر غاية في الأهمية؛ خاصة في القطاعات الاقتصادية التي تشهد تحولا نوعيا يعتمد على التقنية والابتكار والمهارات الإبداعية في مقابل تقلص شديد في عدد الوظائف لأسباب تقنية صرفة. نجحت التقنية في خفض الحاجة للقوى البشرية؛ وأصبحت المصانع المعقدة تدار من خلال أجهزة التحكم أو الروبوتات المهددة للوظائف التقليدية. وفي المقابل باتت اقتصاديات العالم تعتمد على المعرفة والإبداع والابتكار حتى سيطرت شركات التقنية على اقتصاديات العالم؛ منافسة بأصولها عددا من الدول النفطية، والصناعات التقليدية. التحول السريع في اقتصاديات العالم؛ وسيطرة الابتكارات والإبداع على الأنشطة التنموية تستدعي وجود جهات قادرة على إدارة التغيير ومساعدة المجتمعات المتحولة وقيادة الشباب وتعليمهم وتمكينهم في المجتمع.
في خضم التحولات المجتمعية والاقتصادية؛ باتت المؤسسات غير الحكومية من أركان التغيير الإيجابي؛ وتحفيز المجتمع بمكوناته للبناء والعمل الجاد؛ والمساهمة الفاعلة في تحقيق أهداف التنمية التي لم تعد حكرا على الحكومات؛ بل أصبحت جزءا مهما من مسؤوليات جمعيات المجتمع المدني التي لا تقل أهمية عن المؤسسات الحكومية. قد لا نرى تلك الأهمية ظاهرة للعيان في الدول العربية كنتيجة للثقافة السائدة وانغلاق تلك الجمعيات على الأعمال الخيرية بعيدا عن مجالات الإبداع والتنمية. وللأمانة؛ ظهرت في المملكة مؤسسات مجتمعية فاعلة في قطاعات التعليم، الشباب؛ الإسكان، الصحة، التمويل التجاري؛ التنمية البشرية وغيرها من المجالات الأخرى؛ ما ساعد على التحول التدريجي في قطاع مؤسسات المجتمع المدني ودورها في المجتمع. استحداث تشريعات داعمة لعمل المؤسسات المجتمعية أسهم بشكل كبير في ذلك التنوع المحمود والارتقاء بالخدمات المقدمة وتنظيم الجهود وحشدها.
تعزيز مهارات الشباب وفتح مساحات المشاركة المجتمعية لهم لا يمكن تحقيقه بمعزل عن التشريعات الحكومية الداعمة لتمكين الشباب في المجتمع؛ واستثمار طاقاتهم في ما يحقق مصلحتهم والمصلحة الوطنية. برغم الجهود؛ ما زالت أدوات التمكين قاصرة خاصة في القطاع الاقتصادي؛ حيث يعاني الشباب من معوقات كثيرة تحول دون تحقيقهم أهدافهم الرئيسة. أصبح الشباب في أمس الحاجة للتمكين النوعي في سوق العمل والمنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ التي تواجه بمنافسه شرسة من منشآت التستر؛ وتهميش كبير من المؤسسات الحكومية وعدم اكتراث بمشكلاتهم التي تتسبب في تكبدهم خسائر فادحة والهروب السريع من السوق التي أصبحت مرتعا للوافدين. يمكن للمؤسسات غير الحكومية أن تقوم بدور فاعل في معالجة مشكلات الشباب وتمكينهم؛ فالتمكين الاقتصادي ربما كان من الأولويات الضرورية.
إطلاق طاقات الشباب؛ المكون الأكبر في المجتمع؛ يحتاج إلى كثير من الجهد المشترك بين المؤسسات الحكومية والمجتمعية؛ ومزيد من البحوث والدراسات المتخصصة القادرة على خلق التشريعات المعززة لدور الشباب في المجتمع؛ إضافة إلى تفعيل دور بعض المؤسسات غير الحكومية لاحتضان الشباب وتفجير طاقاتهم الإبداعية وتحفيزهم للعمل.
ما تقوم به «مسك» من دور رائد في تنمية الشباب والتنمية المجتمعية وما تقدمه من مبادرات مهمة؛ ومنها شراكتها مع «اليونيسكو» هو جزء من تثقيف المجتمع؛ بشقيه الحكومي والمجتمعي؛ وهو دور رائد ولا شك؛ إلا أنه في حاجة ماسة لتحرك حكومي ومجتمعي شامل يهدف لاحتضان الشباب وتمكينهم ومعالجة مشكلاتهم وإزالة جميع المعوقات التنموية التي تعترض مسيرتهم المباركة. تعزيز المشاركة المجتمعية والتركيز على القطاع غير الربحي جزء مهم من رؤية المملكة 2030 وأحسب أن كثيرا من القطاعات الربحية ذات العلاقة بالشباب لا تخلو من تقاطعات مهمة مع مؤسسات المجتمع المدني، غير الربحية ما يستوجب العمل على تنسيق الجهود لتمكين الشباب وفق إستراتيجية واضحة؛ ومنظومة متكاملة يشترك فيها القطاعين الحكومي والمجتمع على حد سواء.