د. خيرية السقاف
ما يصيب الإنسان من تبدل النعم, والأمراض, والعجز, والحاجة, والقلة بعد الصحة, واليسر, والشهرة, والنجاح ينبغي أن يظل في الستر, وفي الصون, وبعيداً عن أعين العامة..
فليس من اللائق أن تنشر وسائل التواصل, ولا الصحف عن مشاهير تبدلت أحوالهم, أو تكشف عن تواضع حالهم, لتستجدي لهم العون, والمساعدة عياناً بياناً, إذ تفرض أخلاق الإنسان ما تكون ديانته, ومعتقده, وإنسانيته أن يعين إن شاء واستطاع المعوز, والمريض, وذا الحاجة في ستر, واتساع صدر, وصبر, فكيف وهو مسلم تسري في دمائه نخوة المروءة, والإيثار, والتعاون, والتآزر, وشد العضد, والإحساس بسواه, لييسر العُسرة نفسُه, أو سعْيُه, في ستر, وصمت فلا يفعل؟! بل يتباهى بسعيه على عنان الفضاء؟!
مع أن قصص «جبر عثرات الكرام» في تاريخ العرب بالطريقة المثلى تزدحم بها الوثائق, وتندى بها النفوس, وترضى لها الأخلاق..؟
نحن بين آن وآخر نفاجأ بمن يتصدى بنشر صورة, وحالة مشهور جارت عليه فاقته, وتأخرت به قدرته, ووقع في براثن المرض, والفاقة, والعوز, فتجأر له أقلامهم, وأصواتهم, تناشد مسؤولاً, أو تطالب بصندوق إعانات, أو تستجدي القادة لمساعدته, ولا يعلمون بأنهم يؤلمون من يعرضونهم للكشف أكثر, ويحرجونهم أكثر, وهم يكشفون عن سترهم على الملأ, بل كأنهم يجعلون من جهاتٍ عمل فيها المبتلى المسؤولة عمَّا يتعرض له من حاجة, أو مرض, أو فاقة..
إننا لا ننكر على ذوي النفوس المؤْثِرة سعيَهم من أجل هؤلاء، بل نشد على أيديهم, ونضع أيدينا معهم, لكننا ننكر سبلهم التي يتخذونها إلى هذا العون, ننكر عليهم الوسيلة إلى هذا العون, وكذلك الشكل الذي تعرض فيه الحالة التي يقدمونها..
بلا شك أنهم يضعونهم في مأزق الألم الكبير, بل الخجل الموحش..
فكم يتألم من وضعت صورهم الأخيرة جوار صورهم التي كانت في الأذهان عنهم حين كانوا في كامل نشاطهم, وشهرتهم, وعزهم بعد أن تبدل الحال وحلَّ السؤال, وانقطعت أسباب العمل ووهنت الصحة, وفرغ الجيب؟!
كم يُجرَحون على مضض وهم تحت وطأة الاستجداء لهم يتمزقون, إذ لم يبقهم الكاتبون عنهم, العارضون وضعهم على الملأ لهم في ذاكرة الناس ذلك الوهج الذي طوقهم يوماً بهالته الطيفية؟!!
أعزة القوم هؤلاء ينبغي أن يعمل كل وزير, وكل مسؤول في دائرته إجراءً مقنناً يصبح حقاً مكتسباً لكل من ينتسب لدائرته بوجوده, وبدون وجوده فيها, حتى إذا ما تعرض أحدهم لأي ابتلاء لجأ تلقائياً لقناته النظامية فتيسر عُسرته في صمت النبل, وعون الكرم, وأحقية العدل, وإنصاف الانتماء, وهو في كامل قوامه النفسي, وطمأنينته الداخلية, دون أن يُخدش حياؤه, وتمس كرامته..
ليتكم لا تجعلون من نوافذ التواصل, ووسائل التواصل ساحة لهتك الأستار, وإيذاء النفوس من حيث تريدون الخير تتحمّلون في الهتك مغبة الوزر, وأنتم قادرون أن تصلوا من تقصدون بكل الوسائل..
إن من جميل وشائج العلاقات الإنسانية أن يعين المرء أخاه في خفاء, ويسعى له دون تظاهرة, حتى يبلغ ما قاله رسول الإنسانية والنبل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم» حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
ترى ألا تشاركونني حسرة الألم على ما يحدث لمن تمر به ضائقة, أو تحل به حاجة, أو يقع في مرض, أو فاقة من كشف الأستار عنه لكل الأنظار كان مشهوراً, أو مغموراً هو على مسطرة البشرية إنسان؟!!
فمن يعمل لله وطاعة له, يكفيه أن يعلم الله عمّا يفعل.