د.ثريا العريض
واضح للمراقبين القريبين والبعيدين أن المرأة السعودية اليوم تجني ثمار التعليم وانفتاح البلد على العالم. وكبقية الفئات المتعلمة تعي حقوقها بصورة منظمة كمجموعة ذات أهلية وحقوق مواطنة وترفض أن تغمطها أعراف المجتمع، وتفضيلات فئات منه هذه الحقوق. والحمد لله أن القيادة الواعية تدعم حصول المرأة على حقوقها الشرعية، حيث المرأة كفرد أضافت المطالبة بحقوقها المشروعة في تعامل المجتمع معها، إلى المطالبة بحقوقها الشرعية المستلبة في تعاملات بعض الأسر بأسباب أنانية تدفع لتأطيرها واختزالها جسديًا. وقد حصلت عبر هذا الدعم الواعي على حق الحضور والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، وعضوية مجلس الشورى وعلى حق الترشيح والانتخاب للمجالس البلدية، وبلا شك سنراها في عضوية المجالس العليا في الدولة، حتى وهي ما زالت تطالب بحق حرية الحركة وقيادة السيارة.
مع الأسف بعضنا رجالاً ونساءً لا يستطيعون تقبل مجرد التفكير في مثل هذه المستجدات التي ستعطي المرأة حق الخروج من الخباء بمشيئتها دون أخذ رأي ولي الأمر الذكر. ويتعدى البعض الرفض إلى تأطير هذا التفكير بصورة تجريمية حين يرون فيه مؤامرة تغريبية مضمرة. والأسوأ من النظرة التآمرية أن هذا البعض منا يرى بأن المرأة قاصرة الفهم بالطبيعة، وبالتالي هي عاجزة عن الوصول للرأي الصواب فيما يختص بأهم قرارات حياتها بما في ذلك إكمال تعليمها أو التوظف أو الابتعاث أو حتى اختيار شريك حياتها.. ناهيك أن تناقش قضاياها وقضايا المجتمع أو تشارك في صنع القرار.
كما هو الحال في كل تقرير تعميمي أقول: آفة الرأي التعميم! ومجرد تأكيد رؤية هذا البعض لكل امرأة أنها قاصرة الفهم بصيغة تعميمية - بمعنى أن كل امرأة قاصرة الفهم بالطبيعة - يحمل بذرة دحض هذا الرأي المتحيز. هذا غير أن هذا الرأي العجيب يتناقض مع ما حملته لنا ذاكرة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين من تقبلهم لحق المرأة في المعرفة لكل التفاصيل مثلما هو حق للرجل، وحقها في التعبير عن رغباتها ومشاعرها حتى فيما يتعلق برضاها أو عدمه في العلاقات الحميمة، وإتاحتهم الفرصة للمرأة لتعبر عن رأيها مباشرة وتناقش معهم قضاياها الشخصية وقضايا بنات جنسها وتتساءل عن التفاصيل وتطالب بحلول وقرارات مرضية.
الرأي الأصح تعبيرًا عن الواقع هو أن ليس كل امرأة عاجزة عن توضيح احتياجاتها ومناقشة قضاياها وقضايا المجتمع أو المشاركة في صنع القرار الأعلى وبكل كفاءة؛ مثلما ليس كلهن قادرات على ذلك. والأجدى أن ينظر إليها بموضوعية في كل حالة، ولا يسرى رأي واحد يعمم على كل النساء بضعف أفكارهن أو عجزهن عن تحمل المسؤولية مقارنة بالرجال أو تفوق كل الرجال على النساء. كل رأي ينفى كفاءة قدراتها العقلية ويحرمها من المساهمة لمجرد أنها أنثى هو رأي خاطئ طالما هو معمم على الجميع. وقد يصدق أن قيل عن امرأة بعينها يعرفها القائل، فهناك بين النساء مثلما بين الرجال درجات من القدرة ومن العجز.
بعض النساء عاليات النبرة مما لا يريح المجتمع التقليدي بشقيه نساءً ورجالاً.. ولكن علو النبرة الذي لا أرتاح إليه شخصيًا أتفهم أنه يعبر عن شدة الضيق ورفض استمرار المعاناة وكأنها الوضع الطبيعي الذي لا يناقش ولا يعترض عليه. كل شيء ما عدا الثوابت الواضحة قابل للبحث والنقاش والاعتراض عليه والتغيير لما هو أفضل.
ومع هذا أقول من متابعتي لمحاولات التغيير تحت مظلة القانون: النتائج لا تأتي فقط عبر الكلام والجدال والصراخ الذي قد يلفت النظر إلى كونها غير راضية ولكن ليس بالضرورة ينتج تغييرًا إيجابيًا في النظرة إليها أو التعامل مع رغباتها. تغيير النظرة إلى قدرات المرأة - ليس كأنثى بل كإنسان - يتم فقط بإثبات ذلك عبر العمل المنجز على أرض الواقع في مجال تخصصها. وحين تثبت أنها الفرد الكفء لا يبقى هناك مجال للرفض إلا من منطلق عدم استعداد للتطور فرديًا.
كل ما نحتاج أن نفتح لها بوابات إثبات قدراتها، لا أن نغلقها خوفًا من أنها ستخرج عن فرضيات العرف والدور المنحصر في إرضاء من لا هوية لها عندهم إلا كمضافة إلى قريب ما.. أمينًا كان أو غادرًا.
والحمد لله أن من يمسك زمام القرار يدرك كم هو استقرار المجتمع وأمنه مرتبط بدعم فاعلية المرأة ورضاها عن انتمائها ودورها.