مما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية وفي مقدمتها الأمة العربية قد انتابها حالات من الجمود ومن الجهل والتقهقر في فترات طويلة من تاريخها المديد بسبب عوامل متعددة ومختلفة داخلية وخارجية، ويظهر ذلك بجلاء من استقراء تاريخها منذ فجر الإسلام إلى يومنا الحاضر ونتيجة للجهل والجمود والتقهقر اختلط عليها الأمر وانحرفت بها السبل وسادت فيها أنواع من الخرافات ونال العقيدة ما نالها من وهن وشكوك وشبهات، وقد يئس من يئس وتشكك من تشكك وحار من حار وانحرف من انحرف في طوال البلاد الإسلامية والعربية وعرضها، ولكن رغم ما أصابها من نكسات وما نالها من ويلات وما عاشته من مصائب وكوارث مفجعة على الرغم من كل ذلك فإنه يبرز بين الحين والآخر فترات مضيئة ومشرقة تعود الأمة خلالها إلى إحياء أمجادها وتستطلع مكنون ضميرها وما استقر في أعماق وجدانها وهذا شأن الأمم ذات المجد العريق والحضارة الأصيلة، ومن عنوان سعادة الأمة وعلامات رشدها أن يبرز من بين أبنائها من يتمكن من تصحيح مسارها واستقامة أمرها بفضل ما جبل عليه من حكمة وحنكة ودراية وما يتمتع به من روية وحسن نية وشجاعة ومعتقد صحيح فتنبت غرسة الأمة من جديد وتحيي ما ترسب في أعماقها من عزة ومجد وكرامة وتكتشف من جديد ما عفا عليه الزمن من تراثها وتاريخها وحضارتها عبر القرون، ومن المعلوم أن للأمة الإسلامية مصدر إلهام لا ينضب ومنبع عزة لايضعف وقوة روحية لا تقهر تكمن كلها في العقيدة الإسلامية الصحيحة السليمة حكماً وإدارة وقيادة صدقاً وعدلاَ ديناً ودولة علماً وإيماناً، ولقد تبين من استقراء التاريخ الحديث أن الإمام محمد بن سعود كان موفقاً بنسبة عالية حينما أخلص في عمله وأحسن توكله على الله وباشر مهمته الشاقة والعسيرة فآزر وبذل النفس والنفيس في نصرة الداعي إلى العقيدة الصحيحة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله- وقد عانيا مجتمعين واقعاً مريراً وشائكاً وعنيداً في كثير من الاحيان وقد نجحا في مهمتهما نجاحاً كبيراً فوضعت الدولة السعودية في دورها الأول الخطوط العريضة وقعدت القواعد ونهجت النهج الصحيح المتمشي مع كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة فجنى مجتمعهما ومن جاء بعده ثمرات تلك الجهود الموفقة وخير مثال يوضح أهمية العقيدة الصحيحة ويبين ثمرة النهج المستقيم والنية الصالحة ما بناه الملك عبدالعزيز بعدما أسسه على العقيدة الصحيحة وعمل بالصدق والعدل فيالقول وفي الفعل وفي العمل فمهماته الأمنية ومهماته الاقتصادية ومهماته السياسية ومهماته الحضارية ومهماته الاجتماعية ومهماته الفكرية والعشائرية وغيرها تثبت نجاحه وتفوقه في إعادة بناء الدولة السعودية في دورها الثالث ولقد أكرمه الله بأن حقق على يديه مصلحة الأمة فأتم الملك عبدالعزيز- رحمه الله- مهمته التأسيسية في صورة مواكبة لروح العصر الذي عاش فيه واستفاد بكفاءة وإخلاص وبعد نظر من منجزات عصره وتحاور مع الأفكار النافعة والمنطلقات الحضارية بما لا يتعارض مع قواعد شريعة الإسلام ولايتعارض مع العقيدة الصحيحة وليس صعباً على الباحث النزيه المعتدل أن يقيم الدليل على إخلاص الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحسن نيته وحرصه على صلاح شأنه وصلاح شأن أمته وقد نجح بكل المقاييس وكان من أهم صفاته المشاورة والشجاعة والعدل وفوق ذلك الإخلاص لله والتوكل عليه، وفي هذا السياق يقول العلماء «إن ملاك ذلك كله حسن النية للرعية واخلاص الدين لله والتوكل عليه» ويقولون «الإخلاص والتوكل جماع صلاح الخاصة والعامة» ويقولون «إن أعظم عون لولي الأمر خاصة ولغيره عامة ثلاثة أمور أحدها الإخلاص لله والتوكل عليه وبالإخلاص يصرف الله عن الإنسان مايسوؤه ويصرف عنه الفحشاء» قال تعالى {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ويمكن للباحث أن يستنتج من أفعال الملك عبدالعزيز وأوراده ومنجزاته وحروبه وصبره وبلائه وما حققه من انتصارات لها وزنها الراجح وقيمتها الثمينة في حاضر الأمة ومستقبلها وما حققه من ترسيخ للأمن في حينه وتحضيره للبوادي وغير ذلك مما أنجزه ما كان له أن يتم لولا توفيق الله له وأن مرتكزه كان على قاعدة صلبة وثوابت راسخة من الدين والسلوك المستقيم.
ويعجب الباحثون المعاصرون من نجاحات الإدارة السعودية ويتجدد إعجابهم وتقديرهم للنهج المتبع في المملكة خلفاً عن سلف مقارنةً بدول أخرى عربية وإسلامية فالثوابت متمسك بها ومحروسة دون هوادة بإجماع الأمة في كل عهد من عهود الدولة السعودية وفي مقدمة الثوابت الحفاظ على الضروريات الخمس وهي الأمور التي إذا انعدمت أو اختلت اختلت الحياة كلياً وهي «الدين والنفس والنسل والعقل والمال» ويلاحظ الباحثون بأن الجميع يباشرون مسؤلياتهم على اختلاف درجاتم وفقاً لقواعد عليا محكمة لا يخرجون عنها ولا يحيدون ويخضع الحاكم والمحكوم لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية التي لا تخالف نصاً من كتاب الله ولا نصاً من السنة الصحيحة وتمتاز الإدارة السعودية بالتضامن فيما بين الراعي والرعية في تنفيذ ما امر الله به واجتناب ما نهى الله عنه معتصمون بحبل الله جميعاً انفاذاً لقوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} سورة آل عمران والإدارة السعودية في منظور الباحثين أخذت في اعتبارها العمل بالمقاصد الشرعية ويعني ذلك السعي الجاد في جلب المصالح ودرء المفاسد وإعمال النصوص الواردة في القرآن وفي السنة ويلحق بهما الإجماع والقياس بالضوابط الشرعية والإدارة السعودية أيضاً معنية بتحقيق احتياجات الأمة التي يعبر عنها العلماء بالحاجيات وهي الأمور التي يؤدي اختلالها إلى المشقة والحرج وتعنى أيضاً بتحسين الحياة ورفاهيتها وهي التي عبر عنها العلماء بالتحسينيات انظر كتاب الموافقات للشاطبي ولمزيد من الايضاح يمكن الرجوع الى ص 16، 15، 14 من مجلة البحوث الإسلامية العدد الحادي عشر ذي القعدة - ذي الحجة 1404/1405.
وقد نجحت الإدارة السعودية حينما جعلت حسن التطبيق في مستوى روعة الاهداف، ويلحظ الباحثون بأن الإدارة السعودية إدراة امتازت بمبادئها السامية وقيمها النبيلة ومناهجها الواضحة المعتدلة إذ هي تصون الحقوق وتحترمها وهي أيضاً معنية بحقظ العهود وإنفاذ المواثيق ونصر المظلومين وتقبل التعددية الثقافية بين البشر ليس من أهدافها على مر التاريخ التوسع الاستعماري لأنها محكومة بقواعد شرعية وقوانين مرعية لا تتجاوزها هذا النهج سار عليه الملك عبدالعزيز- رحمه الله- ومن قبله أسلافه كما سار عليه أبناء الملك عبدالعزيز البررة -رحمهم الله- من بعده الذين كان قدرهم أن يحملوا المسؤولية الكبرى والأمانة العظمى فساروا في نسق متناغم ومتكامل كل ملك منهم يبني على ما أنجزه سلفه ويكمل ما بدأه السابق ويضيف ما قدر له أن يضيف من منجزات حضارية حسبما يقضيه عصره وحسب متطلبات واقع أمته، والآن تعيش المملكة العربية السعودية عهداً استثنائياً مباركاً هو عهد الحزم والعزم والشجاعة والحكمة وبعد النظر عهد البناء والتقدم والإنجاز المتوازن المدروس بعناية في سباق مع الزمن بوضوح رؤية وشفافية تطبيق، عهد المبادرات وعهد المنجزات الأمنية والدفاعية والحضارية والاجتماعية عهد التضامن القوي الثابت بين الراعي والرعية عهد التجديد في الإدارة والمال والاقتصاد والعلم والتعليم وغير ذلك من مناشط الحياة في شتى صورها ومتطلباتها لصالح الوطن والمواطن بخاصة ولصالح العرب والمسلمين والأصدقاء بعامة عهد تحقق المنجزات العظيمة عهد الإخلاص في القول وفي الفعل وفي العمل إنه عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله ورعاه- فله من أمته الشكر والمحبة والتقدير والدعاء، والشكر والتقدير والمحبة موصول لصاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية محمد بن نايف بن عبدالعزيز والشكر والتقدير والمحبة موصول لولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولحكومتنا المخلصة حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا من كل شر ومكروه.