فوزية الجار الله
ما أجمل أن تحتويك مدينة ذات حضارة عريقة موغلة في السحر والجمال، اسطنبول مدينة تغريك بالتأمل والانطلاق ما بين أزقتها الأثرية وميادينها الفسيحة وغاباتها الجميلة، وقد أزمعنا القيام برحلة إلى موقع جميل ولأننا مجموعة جارات وزميلات أردنا أن نحتفل بشيء من الحرية والانتعاش، لا نريد التقيد بحافلة سياحية فنحن وحدنا مجموعة كافية لرحلة بدأنا التخطيط لها منذ فترة، كنا تسعة نساء عاشرنا محرمنا، طفل صغير باركه الرحمن، يتناثر شعره الأشقر على عينيه، لم يتجاوز العامين، كائن جميل خجول يدفن رأسه طوال الوقت في صدر أمه..
نحن في طريقنا إلى بحيرة سابانجا وقرية «المعشوقية»
(تأخذ قرية معشوقية اسمها من الكلمة العربية «معشوق». وهي قرية ساحرة تقع في شمال البحيرة المشهورة «سابانجا» القريبة من مدينة إسطنبول)
(يعود تأسيس هذه القرية إلى عام 1864م في نهاية الحرب الروسية والقوقازية، حيث تم إنشاؤها بقيادة أوجبي مراد بيه (?çbe Murat bey)، كما استقرت في هذه المنطقة قوافل أبخازيا (Abhaz) والأديغا (Adiga) بجانب الشركس)، هذا حسب مانشرته «ترك برس» في يونيو 2015.
أصرت السيدة ذات الكرم أن نصطحب معنا طعامنا نعده بأيدينا وهنا اختلفت الآراء ما بين مؤيدة ومعارضة حتى توصلنا في النهاية إلى المسير في تجربتنا المختلفة، أبلغتنا السيدة الحكيمة، صاحبة المبادرة بأنها وجدت شركة مبتدئة يمكنها أن توفر لنا سيارة عائلية لتسعة أشخاص وشرعنا في مناقشات طوال الأيام السابقة للرحلة، انطلقنا في التاسعة صباحاً، بادئ ذي بدء جاءنا صوت السيدة الكريمة، تقول بأنها أثناء ترتيب الأدوات والحقائب في مؤخرة السيارة أزعجتها رائحة انبعثت من السائق، يبدو أنه لم يستحم منذ بضعة أيام، لم يبتسم أحد، بل تصاعدت أصوات التذمر والتأفف، هل يعقل هذا ؟ خاصة السيدة الجميلة التي تعاني ألماً في قدمها ولابد لها من مقعد مريح يعد لها لذا فقد تم ترتيب المقعد الأمامي إلى جانب السائق، أي حظ هو ذاك ؟ لابد من صبر !
همست إحداهن ضاحكة:
لدي اقتراح حين نجد نهراً أو بحيرة هناك نتغافله ونرمي به إلى الماء كي يستحم رغماً عنه.. قالت أخرى وماذا لو غرق ؟! ردت الثالثة: سنجد أنفسنا في ورطة، لن نجد أحداً يعيدنا إلى موقعنا، عدا أنها جريمة ستحسب علينا !! تصاعدت الضحكات فلم يكن الأمر برمته سوى مزاح عابر.
يبدو أن السيارة لا تستوعب عددنا كاملاً، نشعر بشيء من الضغط وعدم الارتياح، لكن لا بأس «الضيق في النفوس لا في الأمكنة» كان ذلك مثلاً استعدناه، وسوف يكون أحد المحرضات لاحقاً لأغنية مناسبة «الأماكن كلها مشتاقة لك»، قبل الغناء بدأت السيدة ذات الكرم بدعاء الصباح ومن ثم دعاء السفر، تردد بعض العبارات ونحن نردد خلفها. بدأنا المسير، وكأنما لسان حالنا يقول «بسم الله مجراها ومرساها لله رب العالمين»..