أمل بنت فهد
من تخيفهم صرعات الشباب.. ومن يعلن حالة الطوارئ مع كل موضة تنتشر بين الشباب.. ومن يعتقد أن المستجدات السطحية بإمكانها أن تتلف القيم أو الفضيلة.. ينسى أن لكل جيل «شطحاته» التي يعبر بها عن أمور كثيرة.. وهي مؤقتة وستبقى مؤقتة.. لأنّها تسير بشكل طبيعي.. تفور في مرحلة الشباب ومن ثم تذبل على مشارف النضج.
الشباب حين يفتعلون الغرائب.. لا يفعلون كارثة.. إنما يعبرون عن أمور مختلفة.. إما لفت الانتباه.. أو أنها لا تتعدى المرح البريء.. أو تقليد.. وإن أردنا أن نكون أكثر عمقاً.. فإنها تعطينا تلميحات عن مواطن إبداع خرجت خاماً لم تتطور بعد.. سواءً كانت في التمثيل.. أو الرقص.. أو الاستعراض.. أو الكوميديا.. أو الغناء.. وحتى القيادة وتحريك الجماهير وتطويعها.
لكن ماذا نفعل نحن.. يأخذنا الخوف من الطبيعة كالعادة.. وننسى أننا كنا مثلهم يوماً ما.. وكانت لنا تقليعات خاصة بنا.. ونبدأ بفرض محاصرة الطاقة.. وحين تحاول أن تقاوم طاقة.. فإنها تحرقك وتتجاوزك دون أن تستفيد منها.
الفجوة التي بين جيل الشباب والآخر مكتظة بالصراع.. وستبقى كذلك.. لأن الآخر يريد من الشباب أن يقفزوا المرحلة ويصلوا سريعاً للنضج.. وهو أمر غير صحي البتة.. ولن ننجح به لأنه مستحيل.. وإن حدث فإنهم سوف يتصنعون النضج دون قناعة.. حباً أو خوفاً.. في النتيجة لم ينضجوا كما ينبغي للنضج أن يكون.. أي بعد التجارب والاطلاع واختيار الطريق.
فإن أردنا أن نسد الفجوة.. ونقارب بين الأجيال المتصارعة على الصح والخطأ.. علينا أن نفهم ونستوعب جيداً حاجتهم للخروج عن المألوف.. وعلينا أن نصنع من تراثنا أدوات تجعلهم يلتفتون إليه.
على سبيل المثال.. الرقص ليس تهريجاً.. أو سخافة.. بل لدينا رقصات تاريخية وتراثية لم ولن تندثر رغم ازدحام المنصات الراقصة في الدنيا كلها.. ماذا لو كانت الرقصات التاريخية بقصصها.. ومعانيها.. وإيقاعها.. مادة تُدرس في المدارس كأي مادة.. يمارسها الشاب ويعيشها ويفهمها ويرتبط بها.. يستوعب معاني الشجاعة والتباهي في كل خطوة.. يعرف متى كانت ولماذا أصبحت.. هنا نصنع من الرقص تاريخاً.. وأخلاقاً.. وسلوكاً.
وعلى هذا المثال يمكننا أن نقيس بقية التقليعات التي نحاربها دون جدوى.. ولا نستفيد منها.
لذا دعوهم يقلعون كما يريدون.. ونحن إما أن نطوعها لزرع القيم أو نتركها حتى تتلاشى من تلقاء نفسها.