عروبة المنيف
إن مفهوم ولاية الأمر قد أُسيء استخدامه وتم استغلاله من قبل الكثيرين من أجل مصالح ذاتية، حتى أصبح عبئاً ثقيلاً، واستحكمت قيوده على النساء دون وجه حق، وقد ساهم استغلال ذلك المفهوم في تعطيل أمور النساء الحياتية، ما أدى بالتالي إلى تشويه العديد من المؤشرات المتعلقة بقضايا المرأة، كانخفاض نسب التوظيف لدى النساء نتيجة تحكم الولي، وبالتالي ارتفاع نسب البطالة النسائية وارتفاع نسب قضايا عضل النساء من قبل أوليائهن، وتفاقم حالات الطلاق وزواج القصَّر وهروب الفتيات وغيرها من القضايا النسائية التي أصبحت مؤرقة للمجتمع ككل جراء هذا الاستغلال المريع من قبل الأولياء لمفهوم ولاية الأمر!.
إن صدور التعميم من قبل أعلى سلطة سياسية، الملك سلمان حفظه الله، والخاص بتحرير المرأة من سلطة ولي أمرها في الحصول على الخدمات الحكومية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، هو بمثابة وثيقة تمكينية للمرأة، ستساهم في حل إشكاليات عديدة كانت تعاني منها النساء، وعلى الأخص العوائق والقيود التي تفرضها الجهات الحكومية وتساهم في عدم تمكين المرأة من حصولها على الخدمات المختلفة.
لقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي والجهات الإعلامية المختلفة بالتساؤل ما إذا كان ذلك التعميم يشمل «إلغاء موافقة ولي أمر المرأة في قرار السفر الخاص بها» أم لا يشمله؟، فقد كانت النساء مستبشرات بالقرار متفائلات بأن «قرار السماح للمرأة بالسفر بدون إذن الولي» هو تحصيل حاصل وإن لم يكن الآن فهو قادم لا محالة.
لقد صدر «قانون منع النساء من السفر إلا بإذن الولي» منذ ما يقارب الأربعة عقود، وذلك نتيجة ظروف معينة ساهمت في إصداره، فقد كانت النساء تسافر بدون إذن الولي قبل فرض ذلك القانون الذي يعتبر مغايراً تماماً لشرط وجود «محرم للمرأة عند سفرها»، والمحرم هنا قد يكون الأب أو الأخ أو العم أو الخال أو الأخ بالرضاعة أو أو..، فالمحرم هو غير الولي، ولكن الولي هو أحد محارم المرأة الذي أصبح ولياً للمرأة من أجل تزويجها فقط، لذلك بالمفهوم الشرعي «ولاية الأمر» في السفر للمرأة غير واردة، بل يشترط في سفرها مرافقة أي محرم لها «على الرغم أيضاً من اختلاف الفقهاء على شرط مرافقة المحرم للمرأة عند سفرها»، وقد ساهمت، كما أسلفت، الظروف المكانية والزمانية آنذاك في إصدار «قانون منع المرأة من السفر إلا بإذن الولي»، لذلك فهو قرار قانوني وليس شرعي!، فإذا كانت بعض الأحكام الشرعية قد تغيرت في زمن الصحابة بصدر الإسلام نتيجة تغير الظروف، كما حدث في عام المجاعة وإلغاء الخليفة عمر بن الخطاب لحد السرقة فما بالك بالقوانين الوضعية التي من الممكن تغييرها وتبديلها حسب تغير الظروف الزمانية والمكانية أيضاً.