هدى بنت فهد المعجل
(عندما بدأت أكتب، كانت قصيدة النثر تعد خروجاً على المألوف وعلى المجتمع، وعلى ما يراه حرّاس اللغة من أنها تخريب للغة وتخريب للذائقة المستتبة. الآن نستطيع القول إن الأمور تغيّرت بعد أن انتزعت قصيدة النثر لنفسها مساحة بفعل الوقت والزمن، إضافة إلى أن وسائل الاتصال والثورة الحديثة ساعدت على ظهور الكثير من الأجناس الأدبية، وينبغي أن ندرك جيداً أنه مهما كانت هناك أصوات معادية أو محافظة، فلا نستطيع في اللحظة الراهنة أن نجعل المجتمع يخضع لوجهة نظر واحدة). فوزية أبو خالد
التأمل المركّز على تجربة الشاعرة فوزية أبو خالد مع كتابة قصيدة النثر؛ يُمَكننا من أن نقيس موقف المجتمع منها على كل تجربة نحاول التقدم بها ويقف ضدها مجتمع تنطبق عليه حكمة: (الإنسان عدو ما يجهل)، ولن يستطيع تجاوز شارع تلك العداوة إلا بشق الأنفس، ما استمر المجتمع ينظر إلى كل جديد ومستحدث على أنه خروج عن المألوف، وعلى المجتمع وبالتالي يتولى الحرّاس إلقاء التُهَم، وزرع ألغام المعاداة في طريق المجددين، بالجديد الذي يودون بثّه ويريدون نشره، فتقف دونه الفئة المعادية والمعارضة، تلك التي تدّعي المحافظة؛ بغية إخضاع المجتمع للرأي أو النظرية الواحدة، وهي إرادة مستحيلة وضد السنّة الكونية، عندما قال سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود 118.
قصيدة النثر حوربت لكن الإصرار والمقاومة؛ حجز لها مساحة في خانة الأدب والشعر والإبداع.
بل إننا لو فتشنا في دفاتر عداوة الإنسان لما يجهل لوجدنا ما يؤكد أنها مشكلة أزلية لا يمكن انتزاعها من المجتمع، لكن نستطيع تجاوز مطباتها وحفرها وطريقها الوعر بالإصرار على ما نأتي به من جديد أو ننادي عليه ونستدعيه. حين اخترع (الأخوان رايت) أول طائرة حقيقية عام 1903 تجاهلت الصحف إنجازهما لمدة خمس سنوات، حتى المجلة العلمية الرصينة (ساينتفك أميركان) وصفت التجربة بأنها «خدعة» وقالت إن تحليق (جسم أثقل من الهواء) مستحيل عملياً!!
نفس المعارضة واجهها (جون بيرد) حين اخترع التلفزيون، و(تشالز بارسونز) حين اخترع التوربين، و(جون فرانكلين) حين اخترع مانعة الصواعق.
بل إن التاريخ يستمر في عرض سلسلة المعارضة ضد الجديد ولن نكرر المعارضة التي كانت ضد تعليم المرأة وضد الستلايت وضد جوال الكاميرا أو مسلسلات الـ (ضد) التي لن يتوقف المجتمع عن بثّها ما استمرت العقول على وضع متفاوت من الوعي والإدراك.
ذكر لنا التاريخ أنه سبق أن رفضت أكاديمية العلوم الإنجليزية مبدأ توليد الكهرباء الذي اكتشفه (مايكل فارادي). وحين ادعى أن الكهرباء تتولد بإدارة سلك معدني داخل فجوة مغناطيسية (وهي الطريقة التي يعمل بها المولد الكهربائي) ضحك أعضاء الأكاديمية واتهموه بالسذاجة! أشدد كثيراً على كلمة: [اتهموه بالسذاجة].
وبالنسبة للحكومة البريطانية فقد عارضت وجود السيارة ورأت أنه «اختراع خطير» وحين قررت، بعد عشر سنوات، السماح بقيادتها داخل المدن أصدرت قانوناً يلزم كل سائق باستئجار فتى يحمل علماً أحمر ويسير قبل السيارة بعشرين ياردة!! إذاً لن نفاجأ من موقف مجتمعنا الضد من قيادة المرأة للسيارة، كما ولن نستبعد حدوثه.
بل أتصور أن إخضاع الرغبات أو القناعات أو وضعها بين أيدي المعارضين؛ جناية في حق كل جديد يمكن أن تُكتب له الحياة يوماً ما، كتابة الحياة للميكروسكوب الذي نُعت مخترعه في بداية الأمر بالجنون، الجهل الذي ترتب عليه بقاء الاختراع مهملاً مدة مائتي عام، أو كتابتها للمصباح مع أن مكتب براءات الاختراع كَتب لـ(أديسون) أن فكرته فكرة حمقاء.
ولو استرسلت في تقصي التاريخ بمواقفه من الجديد لخرجنا بأن الجهل قضية الكائن البشري الأزلية التي كانت، وما زالت، وستستمر، أضف إلى ذلك ما أشار له الكاتب صالح الشهوان من أنه (من الخطورة تطبيق المعايير الفقهية على الإبداع الثقافي أو العلمي، لأنهما يولدان أصلاً بقوانينهما الخاصة، وإقحام المعايير الفقهية يعني إعادة كتابة النص على مقاس ما يراه الفقيه أو تعديل النظرية العلمية أو القانون وفقاً لرؤيته). وبالتالي فإن الأمة الواحدة مخالفة للسنة الكونية ولن تصنعوها ولو جاهدتهم جهاد المستميت.