القاهرة - حوار - سجى عارف:
التقت «الجزيرة» بالمستشار حسام الشاذلي نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية بمصر عضو مكتب مكافحة الفساد مدير مركز التدريب القضائي للوقوف على التعاون القضائي ومكافحة الفساد بين المملكة ومصر وأبرز الاتفاقيات الموقعة بينهم في هذا المجال فكان نص الحوار كالتالي:
* حدثني عن مجالات التعاون بين مصر والسعودية في مكافحة الفساد والتعاون الدولي؟
- نحن مجتهدون في هذا المجال، ولكن بكل تأكيد أولاً عندما نتحدث عن الفساد نحن نتحدث عن منظور محلي ومنظور عالمي والمنظور العالمي تقوده منظمات عالمية متخصصة مثل منظمة الشفافية العالمية والأمم المتحدة بصياغتها للمواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد وبكل تأكيد كافة الدول الأعضاء في هذه المنظمات تقوم بالتوقيع على تلك المواثيق والاتفاقيات توقيعاً مشتركاً بما يؤكد على وحدة التطبيق ووحدة الالتزام بالمعايير المشتركة والأحكام والشروط وفقاً لتلك المواثيق والاتفاقيات ومن ضمن هذه الدول الأعضاء وبكل تأكيد المملكة العربية السعودية ومصر. فالفساد ليس وطنياً، بل أصبح عالمياً.. وجرائم الفساد وجرائم غسيل الأموال من الجرائم التي تعبر المحيطات، أي ليس لها وطن، ولهذا فإن أوجه التعاون في هذا المجال كبيرة جداً.. وأعتقد أن من أكثر الدول التي وقعنا معها اتفاقيات تعاون مشترك في هذا المجال وفي مصر مثلا اتفاقيات تبادل تسليم المجرمين وكافة أوجه التعاون التنفيذي والقضائي في هذا الإطار كانت المملكة العربية السعودية.
* ما جديد هذه الاتفاقيات وآخر ما صدر عنها ؟
- التطوير في مصر يبدأ من القاعدة وقاعدة مكافحة الفساد إذا كنا بإلحاح نشير إلى ضرورة تجديد التشريعات فكان قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة التي طور ليتماشى مع قانون الخدمة المدنية السعودي في مسماه وفي جوهره، لأننا الآن ننطلق نحو العالمية فمن غير اللائق أن نتمسك بتطبيق قوانين عفا عليها الزمان فكان لدينا قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة يعود في صدوره إلى تاريخ قانون 47 لسنة 1978 فتم تغييره بداية بالقانون 18 إلا أنه لم يكتب له الاستمرار وألغي بمعرفة مجلس النواب المصري في مطلع 2016 ولكن قبل أن ينتهي عام 2016 صدر قانون 81 لسنة 2016 قانون الخدمة المدنية الجديد التي يؤكد على حسن المعايير وتطبيق المعايير الحديثة القانونية في نظام الإدارة والمؤسسات الإدارية في الدولة وأهمها التدريب وتطوير المعرفة وتقييم الأداء من هنا هذا هو المدخل الرئيسي لمكافحة الفساد.
* ما الإطار الذي يغلف الفساد الإداري وما طرق مكافحته ؟
- أعتقد أن هناك مؤتمراً شهيراً عقد في المملكة الأردنية الهاشمية 2013 في عمان بمشاركة من كافة الدول العربية للوقوف على أسباب ضعف الأداء المؤسسي العربي، حيث خرج هذا المؤتمر إلى بعض التعريفات وبعض التقطيرات لأسباب الفساد في الوطن العربي وكان من ضمن أهم هذه الأسباب هو الضعف المستمد من الجبن الإداري وعدم قدرة متخذ القرار على اتخاذ القرار الإداري السليم في التوقيت السليم والخوف من الجهات الرقابية والإشرافية والتشريعات الموجودة في كل الدول التي تعرقل في بعض الأحيان أداء الدولة، وتحمل متخذ القرار على التجابن في إصدار القرار المناسب في التوقيت المناسب وقد أخذ هذا المصطلح بالتنامي حتى عرف بعد ذلك بما يسمى بالأيادي المرتعشة فعدم قدرة المسؤول الإداري على اتخاذ القرار الإداري في التوقيت السليم هذا هو أساس الفساد وهذا هو مبلغ الفساد وعدم القدرة على تحمل المسؤولية وعدم القدرة على مواجهه المسؤولية والخوف من النتائج التي قد تنتج عن القرار قبل تجربته هذه أمور كلها تؤدي إلى الفساد وهذه من أكثر الأمور انتشاراً في الدول العربية.
* ما هي الطرق التي نستطيع من خلالها الحد من هذه الأمور ؟
- مفاهيم التمكين ليس التفويض فحسب وإنما التمكين الإداري باللامركزية الإدارية وإعطاء فرصة كبيرة جداً للمسؤول لاتخاذ القرار دون مسائلة ومحاسبته مع نهاية فترة معينة زمنية طويلة دون أن يتم عرقلته ومحاسبته بشكل يومي ودائم هذا يؤدي إلى ضعف أداء الموظف العام وبالتالي جبن الموظف العام وعلى الباب الآخر نجد أيضاً أن يتواكب مع التمكين تثقيف جيد وزيادة الوعي والإدراك بحجم المسؤوليات واختيار أهل الخبرة لا أهل الجانب المأمون والجانب الموالي والالتجاء إلى هذين العنصرين في الاختيار واختيار الموظف العام والقيادات الإدارية على أساس العنصر الآمن والعنصر الموالي هذا يؤدي دائماً إلى الفساد، ففي وطننا العربي قبليات وأعراف وتقاليد وكثير من الأمور التي نأخذها في الحسبان وهذا يؤدي إلى إقصاء أهل الخبرة ونحن في احتياج إلى الاستعانة بأهل الخبرة وإلى زيادة التوعية والتثقيف والتدوير المعرفي وزيادة حجم التدريب العملي للموظفين العموميين ولتمكينهم من أداء عملهم دون عرقلة إعلامية، ونحن نتحدث الآن في محراب الإعلام والذي يعتبر في بعض الأحيان سلاحاً ذا حدين وهو السلطة الرابعة والرقيب الرابع على المجتمع فإذا لم يكن هناك شفافية في مراعاة ما نتناوله من مواد إعلامية يؤدي ذلك إلى عزوف الموظف العام وإلى جبنه وتسربه من الوظيفة العمومية وكل هذا يؤدي إلى عرقلة أداء الجهاز الإداري في الدولة.
* كيف ترى العلاقات السعودية المصرية في المجال القضائي من وجهة نظركم ؟
- الحقيقة إذا كنا نتحدث عن أوجه التعاون القضائي ما بين مصر والمملكة العربية السعودية تعاون الحقيقة قديم جدًا يبدأ التعاون أولاً ليس في المنحى القضائي فحسب وإنما يتسم التعاون بذلك التطابق أو الانسجام التشريعي ما بين جمهورية مصر العربية وما بين المملكة العربية السعودية فعلى المنحي التشريعي نجد أن النظامين التشريعيين المصري والسعودي يتطابقون في مسالة الازدواج القضائي بمعنى أن هناك نظامين قضائيين مستقلين داخل كل من الدولتين المملكة العربية السعودية فيها النظام القضائي العادي وهو الشرعي الجزائي والمدني والتجاري وأيضاً وهناك النظام القضائي المستقل هو النظام القضاء الإداري ما كان يعرف بديوان المظالم وأصبح الآن يعرف بالقضاء الإداري كذلك الحال في مصر التي نشئت فيها محاكم القضاء الإداري ونظام مجلس الدولة المصري في أواسط القرن الماضي هذا الانسجام التشريعي يعود للنظرة المتطابقة من الناحية التشريعية في سبل إدارة الدولة وأهمية وجود نظام قضائي يغطي متطلبات قيام الأمة والدولة والإيمان من كلا الدولتين أقصد بهم النظام السياسي تحت مظلة خادم الحرمين الشريفين والنظام الدستوري المصري النظام الجمهوري النظام المتطابق في مسألة الفصل بين السلطات السلطة التشريعية المستقلة عن السلطة القضائية المستقلة عن السلطة التنفيذية فهذا الانسجام التشريعي قاد إلى وجود انسجام قضائي أدى إلى وجود تعاون قضائي وبذلك نجد التعاون أبرز أوجه التعاون المستمر دائماً في قطاع تبادل الخبرة والتعليم القضائي فنجد أن مراكز الدراسات القضائية في المملكة وكذلك في مصر زاخرة ومستمرة بزيارات متبادلة ما بين أقطاب العمل القضائي السعودي وأقطاب العمل القضائي المصري وهناك تعاون كبير في هذا المجال التدريبي وفي مجال القضاء الواقف فالقضاء الواقف والذي يعرف بنظام المحاماة تجد هناك أيضاً تعاوناً كبيراً جداً بين نقابة المحامين المصريين ونقابة المحامين السعوديين وتجد هذا التعاون أثمر عن وجود اتحاد المحامين العرب ونجد أن هناك المنظمات العربية المشتركة أيضاً تحت مظلة جامعة الدول العربية تؤمن بهذا التعاون ومن باب التعاون الميداني سخرت فروع الجامعة من منظمات متخصصة لتدعيم هذه العلاقات ونجد إحدى هذه المنظمات القضائية المشتركة ما بين مصر والمملكة العربية السعودية، أما التعاون الأكاديمي فحدث ولا حرج من الأبحاث ورسائل الدكتوراه وتبادل الخبرات الأكديمية في المجال القانوني أيضاً زاخر وعامر على نحو يثقل الفقه القانوني العربي السعودي المصري، ونجد كثيراً من رسائل الدكتوراه تؤكد على هذا فتخرج هذه الرسائل للمقارنة بين النظام القضائي والنظام القانون السعودي مقارنة بالنظام القضائي والقانون المصري تأكيداً على هذا الترابط والصلة الوثيقة بين النظامين.
* هناك ما يسمي بالقضاء الإلكتروني أين تراه اليوم ؟
- لدينا طبعاً بعض الدول العربية التي لها السبق والريادة في هذا المجال لأن الإمكانيات تلعب دوراً كبيراً جداً في هذا الإطار بالإضافة إلى الحجم التي أقيم عليه هذا التقاضي الإلكتروني فالتجربة العربية الفريدة أعتقد أن الموجودة حالياً في دولة الإمارات لديهم تكامل في مسألة التقاضي الإلكتروني نأخذ مثلاً نموذج مثل محكمة دبي تحديداً لديهم موقع إلكتروني متكامل يستطيع الإنسان بالفعل أن يقدم قضيته ويتابع إجراءات القضية وينسخ حكم القضية إلكترونياً دون الحاجة إلى التوجه إلى المحكمة فالإنذارات تذهب إلكترونياً والإعلانات تذهب إلكترونياً وهذا يشكل نسبة 90 في المائة من الإجراءات وحسن سير الإجراءات وسرعة الفصل في المنازعات القضائية أو العكس، في مصر مثلاً لكي نعمل هذا النظام نجد أن الحجم كبيراً جداً لأننا نتكلم على أقل التقديرات سنوياً 90 مليون قضية بخلاف إننا عندما نتكلم عن محكمة دبي طبعاً التجهيزات والإمكانيات شيء متميز، لكن في نهاية الأمر نتكلم في إحصائية لا تتجاوز 20 ألف قضية سنوياً في دبي فإذا تمت مقارنتها بـ90 مليون قضية هذا عدد كبير جداً فلا يوجد البنية التحتية الإلكترونية الجاهزة لهذا طبعاً وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تعمل بشكل حثيث ولدينا معالي الوزير ياسر القاضي من الشخصيات المحترمة جداً التي تسعى بجهد كبير نحو توفير البنية المعلوماتية الإلكترونية التحتية، وهذا تأكيد حتى من القيادة السياسية الموجودة لدينا في مصر القيادة السياسية الواعية.. وهو الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات وبناء المعرفة في مصر ودورها في النماء بشكل عام.
* كيف ترى العلاقات السعودية المصرية؟
- هي علاقات لا يمكن تجزئتها ولا تفكيكها ونحن كمصريين نسعد بأن السعودية دولة شقيقة لمصر كما إنها هي الجناح الغربي الكبير للوطن العربي فالمملكة بكل تأكيد هي الجناح الكبير الشرقي للأمة العربية كلها وهذا العام جمهورية مصر العربية حلت ضيف شرف في الجنادرية داخل السعودية وهذا شرف للمصريين جميعاً.. وهي ليست الأولى في العلاقات المصرية السعودية بل هي رواسخ أدبية وثقافية وحضارية ممتدة من جذور التاريخ، وهذه حقيقة.
* كيف تجد العلاقات القانونية المصرية السعودية الآن ؟
- الحقيقة إن كنت أتحدث بوصفي رجل قانون ومهتماً بالجوانب القانونية فالترابط كبير جداً في العلاقات القانونية المصرية السعودية في الجانب القانوني؛ على سبيل المثال نجد القضاء الإداري ما كان يعرف في المملكة بديوان المظالم وتم تجديده الآن تحت مسمي القضاء الإداري السعودي والقضاء الإداري المصري، مرتبطان بروابط قانونية وروابط ثقافية كبيرة جداً، فجذور الفكر في محاولة القضاء على الفساد والقضاء على مظالم المواطنين المتعاملين مع أجهزة الدولة من خلال هيئة قضائية تقدم خدمة العدل والعدالة هنا ترابط ما بين القضاء الإداري المصري والقضاء الإداري السعودي، ولكن إذا كنا نتحدث عن الروابط القانونية، فالأصل أيضاً هو القانون لغته اللغة العربية وعندما نبحث عن معاني الثقافة واللغة العربية فنجد فنون الأدب كلها متأصلة بين المكتبة المصرية والمكتبة السعودية.
* ماذا عن الاتحاد القانوني السعودي المصري في جامعة الدول العربية؟
- بيت العرب جامعة الدول العربية لها روافد كبيرة منها المنظمة العربية للتنمية الإدارية تلك المنظمة التي تربط بين أواصل العلاقة العربية وبخاصة العلاقة المصرية السعودية وأنا أشرف بوصفي خبيراً في المنظمة ومتخصصاً في الجانب القانوني.. فنحن دائماً نستضيف هامات من الجانب السعودي في الجانب القضائي السعودي والمهتمين بالجوانب القانونية، ويحدث هذا التزاوج والاندماج الفكري بين الطرفين.. الحقيقة شيء أكثر من رائع، وتبادل ثقافي وتبادل المعرفة في هذا الإطار شيء أكثر من مميز.
* رسالة تقدمها لرجال القانون متحدين بين مصر والمملكة ؟
- الحقيقة قد قطعتم شوطاً كبيراً عاد بالنفع على وطننا العربي لكن التحديات ما زالت قائمة لابد من أن نركز على فتح مجالات التبادل القضائي والخبرات القضائية بشكل أوسع بإذن الله المكتبة تناديكم تحتاج إلى كثير من مجهوداتكم ونعيد بناء الجسور القائمة بالفعل ولكن تعيد تهيئتها بشكل يتناسب دائماً مع معطيات العصر -بإذن الله-.
* رسالة توجهها إلى الإعلام كسلطة رابعة ؟
- الإعلام أحد أهم المؤسسات المعنية بتوحيد الفكر وهي أن الفكرة أن نحسن الظن ببعض البعض والشفافية والنزاهة مطلوبة جداً ومكافحة الفساد ودور الإعلام في مكافحة الفساد هام جداً، ولكن هناك نقداً بناء وهناك نقد هدام، ولكي تقدم نقداً بناءً لا يجب أن انتقد دون وعي دون إدراك دون دليل ولا بينة لا انتقد أو أن أقدم النقد كمادة بنية الشهرة أو نية لحب الظهور وإنما عندما انتقد لأكون إيجابياً وأن انتقد وأن ألتمس أعذاراً لمن أنتقده وأن أقدم بانتقادي طرقاً للبناء مرة أخرى.