د. محمد عبدالله الخازم
أعلنت وزارة الصحة تأسيس مركز أبحاث طبية، ويبدو لي أن هناك عدم دقة في المسميات أو عدم استيعاب لاحتياجات وزارة الصحة في الموضوع البحثي. في المجال الصحي هناك بحوث طبية وهناك بحوث أو دراسات صحية أو دراسة السياسات الصحية. البحوث الطبية تعنى بالأمراض واكتشافها وعلاجها وهذه ليست مهمة وزارة الصحة ولدينا مراكز بحوث طبية عديدة في الكليات الطبية وفي بعض المستشفيات ومنها مركز الملك عبدالله للأبحاث الطبية بالحرس الوطني ومركز أبحاث مستشفى الملك فيصل التخصصي ومراكز أبحاث كليات الطب، وكثير منها يجري بحوث طبية لكنه لا يهتم بقضية السياسات الصحية. مركز أبحاث التخصصي على سبيل المثال عمره يتجاوز نصف قرن ولم يقدم دراسات تذكر مختصة بالسياسات أو تخدم السياسات الصحية سواء على مستوى المملكة أو حتى على مستوى التخصصي، وكل ما يفعله هو إجراء بحوث طبية وبيولوجية لأغراض النشر. لا ألومه لأنه مركز بحث طبي بيولوجي وليس مركز دراسات صحية وطني!
نحتاج مراكز البحوث الطبية، ونحتاج دعم وتطوير ما هو موجود منها، لكن مكانها ليس وزارة الصحة بل المؤسسات الأكاديمية والبحثية المختلفة. ما تحتاجه وزارة الصحة هو مركز معلومات ودراسات أو بحوث وتطوير تؤسس وتدعم الدراسات المتعلقة بالسياسات الصحية وتطوير قواعد المعلومات والإحصائيات الوطنية في كل ماله علاقة بالشأن الصحي.
وكمثال للتفرقة بين البحث الطبي والدراسات المتعلقة بالسياسات الصحية؛ لدينا العديد من مراكز الأورام ومركز البحوث الطبية - أيا كان- سيهتم بدراسة تأثير طريقة علاج أو دراسة مقارنة بين علاجات معينة أو البحث في اكتشاف جين معين الخ. هذا ما يفعله مركز أبحاث التخصصي وغيره، أما وزارة الصحة فمهمتها مختلفة عن ذلك. وزارة الصحة معنية بأمر أهم في الموضوع ويتم إهماله رغم خطورته، ألا وهو إيجاد معايير وضوابط وطنية لاستخدام الأشعة وسلامة المنشآت الصحية من الأضرار الإشعاعية والنووية، سواء بشكل منفرد أو بالتعاون مع جهات أخرى كهيئة الطاقة النووية أو هيئة المواصفات أو غيرها. تحتاج الوزارة إلى دراسات وطنية في هذا الشأن توضح لها التجارب العالمية والفجوة في التطبيق المحلي وبالتالي مساعدتها على وضع سياسات وطنية تتعلق بهذا الموضوع.
كثير من المواضيع المتعلقة بالسياسات والممارسات الصحية تحتاج معلومات ودراسات، لا أراها متوفرة بشكل كاف. وأتساءل؛ كيف تبني وزارة الصحة سياساتها في ظل غياب المعلومات والدراسات العلمية المقننة. وأحياناً؛ أخشى أنه تحكمها الاجتهادات أو الخبرات الفردية غير المتخصصة أو غير الحديثة، أو التي تبنى على معلومات غير دقيقة، لذلك أطالب وزير الصحة النشط الدكتور توفيق الربيعة بتأسيس مركز الدراسات والمعلومات الصحية، ليساند صناعة السياسات الصحية، بتوفير المعلومات والإحصائيات والدراسات ذات العلاقة. ولتوفير مرجعية معلوماتية موثوقة للباحثين والدارسين، بصفة عامة. هذا المركز أنصح بأن لا يركز على نشر أبحاث وأوراق علمية، بل على التقارير والدراسات والمعلومات ذات العلاقة بصنع القرار.
الخلاصة هي ضرورة التفريق بين مركز أبحاث طبي ومركز معلومات ودراسات يدعم صناعة السياسات الصحية. وزارة الصحة بحاجة للثاني، الذي يفترض أن يعمل به خبراء وباحثون في المجالات ذات العلاقة بالمعلومات والسياسات والنظم الصحية وغيرها.