جاسر عبدالعزيز الجاسر
التعامل مع الوضع الصعب في سوريا التي حوَّلها نظام بشار الأسد إلى مسرح للتدخل الدولي، فإضافة إلى فتحه حدود وأراضي سوريا للمليشيات والعصابات الطائفية وأنظمة الشر التي تحكم دولاً مشخَّصة كدول داعمة للإرهاب، اقتحمت دول أخرى لمواجهة الدول والأنظمة المنافسة لها، واستغلت مليشيات وجماعات إرهابية لتسيب الأوضاع، واستوطنت سوريا بحجة مواجهة إجرام المليشيات الطائفية. وهكذا تحوَّلت الأراضي السورية إلى مسرح دولي لكل الأعمال الإرهابية والطائفية وحروب الوكالة، مما يجعل التعامل صعباً وحساساً جداً يتطلب من الدول التي يربطها مع سوريا وأهلها رابط قومي وديني وإنساني وحتى إستراتيجي قدرة عالية من الحكمة والحصافة وذكاء متميز من قادتها ورجالها التنفيذيين على التعامل الاستثنائي مع وضع هو الآخر «استثنائي».
والمملكة العربية السعودية لا يمكن أن تتخلى عن سوريا وأهلها، ليس فقط لتأثيرها الإستراتيجي والإقليمي وأهميتها كدولة عربية مؤثرة، بل أيضاً لأن الواجب الشرعي والقومي والإنساني يفرض علينا كسعوديين عدم التخلي عن السوريين والدولة السورية. ولهذا، فإن المملكة قيادةً وحكومةً وشعباً تتعامل مع أزمة سوريا بخصوصية وحرص كبيرين، وبتركيز، حتى لا يفقد العرب سوريا الدولة العربية المسلمة ذات البعد التراثي والإسهام الوافر في الحضارة العربية الإسلامية وقبلها الحضارة الإنسانية، ولا أن يُحرم السوريون من انتمائهم العربي الإسلامي الصحيح. ولعل أهم ما تركز عليه القيادة السعودية هو الحفاظ على سوريا موحدةً أرضاً وشعباً، وأن تبعد التدخلات الدولية والإقليمية ذات الأبعاد الطائفية والانتهازية والسياسية عنها، كما تعمل المملكة العربية السعودية على مساعدة السوريين الذين يعملون ويجاهدون من أجل تخليص بلادهم من تبعية الطائفية وتسلط المليشيات الإرهابية والطائفية، إذ كلا التوجهين «الطائفي والإرهابي» هما اللذان أوصلا سوريا إلى ما هي عليه الآن، وهما من يحاربان وكالة عن دول وتكتلات دولية وإقليمية تعمل وتسعى على تحويل سوريا إلى منطقة نفوذ سياسي ومذهبي، وهو ما فهمه السوريون جميعاً وتفهمته الدول العربية التي تعمل على تجنيب السوريين مصير دولٍ أخرى تعرضت إلى ما تعرضت له سوريا من تآمر واستهداف. ومع أن بعض الأنظمة الحاكمة العربية منخرطة في دائرة التآمر تلك وأدوات استهداف لوقوعها في دائرة نفوذ من يسعون إلى ضم سوريا إلى مناطق نفوذهم، إلا أن الأغلبية العربية تقف مع المملكة العربية السعودية للعمل على تحقيق أقصى ما يمكن من مبادرات وأفعال لتجنيبها ما يرسم لها، وذلك من خلال تعظيم المكاسب للشعب السوري، والوقوف ضد أي محاولات لتقسيم سوريا أرضاً وشعباً، مع مساعدة المتضررين، وهو ما يلمسه الجميع.
هَمُّ سوريا احتل جانباً كبيراً من حوار الأمير محمد بن سلمان، لأن ما يَهُمُّ سوريا وما يهم اليمن ومصر ودول الخليج العربية هي هموم السعوديين الذين وضعهم القدر في مكان صدارة القيادة، وما حملته إجابات الأمير محمد بن سلمان تؤكد جدارة ما تقوم به المملكة للقيام بدورها كاملاً في هذه الصدارة.