مها محمد الشريف
النتائج الإيجابية التي تنبع من قناعات الشعوب وتحقق رضاها تأتي بمثابة رسالة إنسانية صادقة وصريحة وهي في الوقت ذاته قفزة نحو البحث عن حياة أفضل وأكثر أمناً واستقراراً، وبصورة أخرى إشارة إلى أن الاعتدال والتعايش السلمي مطلب أممي، لا بد أن تنتصر حملة السلام على إيديولوجيا التطرف والتشدد.
لقد أصبح واضحاً سأم العالم من كوارث التطرف والإرهاب وما يصحبهما من شر واضح على الحياة البشرية والممتلكات، تتوالى هذه الدلالات ونحن نتابع الصورة الشاملة للانتخابات الفرنسية ونستعرض أمامنا تفاصيل الحدث في ساحات باريس عاصمة الحرية والفن والعطور التي اكتملت أبعادها بانتخاب الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون محققاً انتصاراً لفرنسا أولاً ولأوروبا ثانياً، كما اعتبره كثير من قادة ورؤساء الدول الأوروبية والمراقبين السياسيين دعماً حقيقياً ومهماً في هذه المرحلة لقوة الوحدة الأوربية، وهو ما عكسه فعلاً تعبير الفرنسيين أنفسهم عن فرحتهم العارمة بهذا الفوز وآمالهم العريضة في مستقبلٍ زاهرٍ لفرنسا قلب أوروبا النابض ووجة السياحة العالمية الأولى.
يُضاف إلى هذا أن جوهر السياسة في أحد مفاهيمها يقوم على مبدأ ضمان التعايش وتخلي الإنسان عن شروره وعدوانيته ودوافع العنف التي تتناقض مع الطبيعة. لذلك يبدو من الأصداء أن العالم وجد ضالته في المرشح الفائز ماكرون الذي نادى بالسلام و»إعادة الأخلاق» إلى الحياة العامة الفرنسية لأنها أحد «أركان» عمله. ومع هذا يمكن أن يُقال اليوم إن القادم أكثر انسجاماً مع الغالبية التي رشحت ماكرون وينطبق ذلك على العلاقات الدولية مع فرنسا، ثم إن عمله الرئيسي سينصب على الإصلاحات الداخلية في البلاد كما قال في خطابه بعد الفوز وأكد أنه «يعي الانقسامات التي تعاني منها فرنسا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي».
وهنا نقطة نجاح مبكرة لإيمانويل ماكرون في الوصول إلى قصر الإليزيه متجاوزاً منافسته مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وبنسبة 65 في المئة، قادماً من العقل النظري إلى العقل العملي من وزارة الاقتصاد التي بقي فيها بين أعوام ألفين وأربعة عشر وألفين وستة عشر وفق سياسة تراتبية هدفها الحفاظ على الضوابط دون استثناء معاصراً في ذلك عهد الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا اولاند.
والحقيقة أنه تحول إلى ظاهرة سياسية منذ استقالته من منصبه الوزاري في أغسطس - آب 2016 حين أسس حركة «إلى الأمام». ومن تلك الفترة فضَّل الفرنسيون أن يكون ماكرون الوافد الجديد لقصر الإليزيه، أصغر مرشح لرئاسيات 2017، بل هو أصغر رئيس في تاريخ فرنسا فعمره 39 عاماً وأربعة أشهر.
على الرغم من أن 26 %، أي 12 مليون فرنسي لم يصوّتوا في الدور الثاني وهو رقم قياسي للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وسيظل النقاش مفتوحاً إلى ما لا نهاية ما لم تستثن منه الظواهر.. فقد كانت الجولة الأولى من انتخابات عام 2002، قد بلغت 28.4 %. ولم يكن حينها فوز إيمانويل ماكرون مفاجأة على معاهد استطلاع الرأي، التي توقّعت هذا الفوز وهذه النتائج لصالحه، خلال المناظرة التلفزيونية.
إن التغيّرات في العالم قادمة والمجتمع الفرنسي بكل أطيافه يرغب في السلام والأمن وهذا المناخ والمزاج الشعبي المتحد يرفع من مستوى التفاؤل لدى مسلمي فرنسا في عهد الرئيس الشاب إيمانويل ..