د. حمزة السالم
المال أخص من القيمة. فكل شيء له قيمة يمكن إدراكها وتملكها وبيعها وشراؤها، فهو مال. والمنفعة تعني تحصيل لقيمة. فإن كانت القيمة مُقيمة بمال، أصبحت منفعة مالية، وتُنزل منزلة المال، وان كانت القيمة غير مُقيمة بمال، صارت منفعة غير مالية، ولا تُنزل في كل الأحوال على المال.
والمعاملة المالية التبادلية بين اثنين فأكثر، عن تراض، لا بد وأن يتولد عنها زيادة. (ذلك لأنه لا يوجد عاقلان يتبادلان من غير غرض تحقيق المنفعة لنفسيهما. مهما كانت المعاملة تافهة، وكانت المنفعة قليلة غير مدركة حسا، كشعور برضا، أو تجنب ملامة).
وأما السبب الذي أوجد المعاملة فهو لزوم وجود حاجة عند أحد الطرفين. وأما شرطها اللازم لتدخل تحت مفهوم التجارة فهو استغلال الطرف الثاني لحاجة الأول.
فاستغلال الحاجة، هو عماد السوق وفن التجارة، كما يدخل كجزء مهم في تقييم أوتسعير السلعة أو الخدمة. وذلك بزيادة السعر مثلا، إذا كانت الحاجة من طرف الطلب أو ببخسها إذا كانت من طرف العرض.
فإن تخلف شرط استغلال حاجة الغير، سواء ارتبطت المعاملة بسوق أم لم ترتبط، فالمعاملة لا تدخل في مفهوم التجارة. فالضابط الفارق هو عدم استغلال حاجة الطرف الآخر.
فالعاقل لا يتنازل دون مقابل، عن نصيبه من الزيادة الحتمية التي تنتج من أي معاملة مالية تبادلية مالية. فالتنازل فيها،نكوص لسنة الله في الخلق، أو نكوص بما يُسمى بقوانين الطبيعة. وهو دليل الجنون، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. وكونه نكوصا، لأن أصل نشوء عملية التبادل المالي، إنما كان بسبب تحصيل المنفعة.
والشواهد تؤكد صحة النظر السابق. فالتنازل عن استغلال الحاجة في العملية التبادلية المالية، مُفسد لنظام السوق، وقد نهى عنه الشرع. لذا فقد ُيحكم بالحجر على من لم يستغل حاجة المتعبدين للشقق التجارية في العشر الأخيرة في رمضان. فيكون من حيثيات حكم الحجر: أنه لا يجوز التصدق إلا على من يقبل الصدقة ويستحق الصدقة. لذا فلا تجد تاجر عقار في مكة يؤجر عقاره في العشر الأواخر بنفس أول رمضان، حتى ولو كان سيتصدق بكل عوائد الإيجار،كالراجحي مثلا. كما لا تجد غنيا ذا مروءة يرضى أو يطلب من مالك عقار عند الحرم أن يؤجره الشقة بنفس سعرها في شعبان. فهذا سؤال للصدقة. فإن عدم الرجل المروءة، فلن تفوته العقوبة، فالشرع غلظ على من يسأل الصدقة وهو ليس من أهلها.
وأما كون فعل ذلك غير محمود اقتصاديا، فذلك لأنه قد يؤجرها لمن لا يقدر قيمتها. وهذا يهدم أساس نظرية الطلب، لذا فهو هدم للسوق. والسبب التطبيقي له، انه إسراف يمنع استغلال الموارد الاستغلال الأمثل. مثاله: لو كانت الكهرباء مجانية، لترك الناس مكيفاتهم وأضواءهم تعمل بلا حاجة، ففيه إسراف لثروة كان يمكن أن تصرف على التعليم مثلا.
والحاجة قد تكون من داخل السوق أو من خارجه. والحاجة قد تكون متعلقة بالسلعة وقد تكون متعلقة بالمحتاج نفسه. كما تكون استثمارية أو استهلاكية. والحاجة الاستهلاكية قد يكون متعلقا بالمحتاج نفسه، أو بشيء خارج عنه.
ما سبق كلن مُختزل الاختزال لمقدمة تأصيل مفهوم الحاجة، فلا يخفى على أحد المساحة التي يحتاجها بيان هذه التقسيمات ومتفرعاتها.
و عموما، فمفهوم الحاجة وتطبيقاته، مفهوم فطري. لو تأملنا بتجرد، لرأينا هذه التقسيمات والتفريعات واضحة أمام أعيننا. فنحن ندركها بفطرتنا، ونمارسها يوميا دون أن نشعر بها. وثم نجحدها بألسنتنا، أفلاطونية ومثالية. بتريدد لا نفهم معناه.