محمد آل الشيخ
أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الجهات الخدماتية الخاصة والعامة بعدم اشتراط موافقة (ولي الأمر) في حال تقديم الخدمات للمرأة. وهذا بلا شك قرار صحيح 100%، وجاء ليواكب هذا العهد الميمون، الذي كان شعاره (التنمية والتحديث واللحاق بركب الحضارة)، خاصة وإن مثل هذه القرارات التي ألغاها الأمر الملكي ابتدعتها الصحوة المشؤومة، تلك الفترة من الزمن التي أربكتنا وشظت اللحمة الوطنية وكبلتنا تنمويا، وحقوقيا، وكرست (وصاية) فئة معينة بدون سبب على الآخرين، وبالذات على المرأة، وصادرت حقوقها الإنسانية. ويبدو أن الحكومة استشعرت أن الزمن قد حان لإلغاء هذه الأنظمة المجحفة فجاء هذا القرار؛ وفي تقديري أن كثيراً من مثل هذه الإصلاحات قادمة قي القريب العاجل، فأول الغيث قطر ثم ينهمر، كما يقولون.
وهذه القضايا في عمقها وظروفها الزمنية التي نشأت فيها لا علاقة لها بالإسلام ولا بتعاليم الدين الحنيف ولكنها كانت في حقيقتها نتيجة تراكمات فتاوى غلاة متشددين، إضافة إلى أن هذه الأنظمة التكبيلية المتشددة تجاه المرأة، لم تعرفها المملكة إلا في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي بعد انتصار ثورة الخميني الشيعية المتأسلمة، فاقتفى أثرها وتبناها التيار الديني المتشدد في محاولته لتكرار التجربة الخمينية، ولكن بثوب سني مذهبي، فكان التشدد دونما دليل من كتاب أو سنة، اللهم إلا تخريجات المتشددين الغلاة المتعسفة، وذريعتهم الشهيرة (سد الذرائع)، التي وظفوها بالقوة لتبرير غلوهم وتشددهم، والتضييق على المرأة بشكل خاص ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ كتحريمهم عمل المرأة، وحرمانها من البحث عن الرزق.
وسيلة (سد الذرائع) - مثلا - اعتبرها الغلاة (معلوما من الدين بالضرورة) ثم اتخذوها دليلا لمنع اختلاطها بالرجال في أماكن العمل، رغم أنهم يعلمون يقينا (أن الأصل في الأمور الإباحة)، وأن لا دليل لديهم على حبسها في بيتها لتموت من الجوع وتعاني الفاقة والفقر لمجرد أنها إذا عملت (قد) تثير شهوة الرجال، فيحصل المحرم. وحقيقة الأمر أن تحريم عمل المرأة وتقييد تنقلاتها لا دليل عليه إلا التزمت، فجاء تشددهم المفبرك يفترض دائما سوء الظن بالمرأة أنها كائن ضعيف أمام شهوتها، ونتيجة لهذه الفرضيات المختلقة، تخلفنا تنمويا، واجتماعيا، وألحقنا بديننا الحنيف في المملكة ما ليس منه، ولن تجده في كل بلاد العالم الإسلامي، حتى أصبحنا بسبب هؤلاء الغلاة المتزمتين وتحريماتهم المتعسفة، أضحوكة في كل أرجاء العالم، ومحل للسخرية والتندر, رغم أن مثل هذا الغلو لا يمت للإسلام بصلة، قدر صلته بفترة مضطربة اجتماعيا، أفرزت محظورات كثيرة، اختلطت فيها العادات والتقاليد بالدين، فجرى تقديسها، ليصبح كل من طالب بالتحرر منها، والانعتاق من أغلالها التي ما أنزل الله بها من سلطان، (زنديقا) يطالب بالتحرر من تعاليم الإسلام وقيَمه. ولأن العوام أكثرهم لا يميزون، ولا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يستوعبون، أصبحت هذه الأنظمة المختلقة طوال قرابة الأربعة عقود، جزءا من تعاليم الإسلام رغم أنها عادات وليست عبادات.
وأنا على يقين لا يساوره أي شك أن كثيرا من القرارات المماثلة التي من شأنها تحرير المرأة من الأغلال والقيود ستأتي تباعا.
إلى اللقاء