أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: من القبح الفني ما طرأ بعد أفلام (أبيض وأسود)؛ وذلك الـقبح: أصباع صارخة، وعرض أزياء تخطف البصر وليس بينها تناسق.. وأقبح من كل ذلك قسمات ضاحكة أو باكية تثير الغثيان، وكلمات غنائية قصيرة تافهة لا تحرك وجدانا، ولا تهز أريحية، ولا تخلب عقلا.. ولقد كثر الإمساس حتى عدم الإحساس ولا سيما أن الشاشة أتخمت بأحداث معادية كل قانون شرعي أو عقلي وليست من أعراف مجتمعاتنا الإسلامية والعربية؛ ولم يعد في هذه الأصباغ والإباحية ما يضحك أو يبكي، أو يؤلف حرقة رومانسية أو إجهاشة عذرية؛ وليس في النهاية عبرة.. وكان فيلم أسود وأبيض يهذب الذائقة الأدبية فنيا، ويسمو بسلوكه.. يضحك بطل الفيلم بملء شدقيه من أمثال نجيب الريحاني، أو عبدالمنعم المدبولي؛ فيحن المشاهد لنبرة العرب الفصحاء إن سمع يوسف وهبي متحدثا، أو ابن عبدالوهاب شاديا.. ومهما كانت رخاوة الرواد من أجيال أبيض وأسود بمقياس الجادين من أهل زمانهم؛ فهم لم ينفصلوا عن الجذور، ولم يجرحوا المشاعر الاجتماعية كما نجده في قبح الأصباغ الراهن.. تتسلسل الأحداث، وتأتي الحبكة والعقدة والنهاية (؛ الحل) في فيلم أبيض وأسود بانتصار المبادىء الخيرة، والانتصار على الرزيلة.. وتطرب للأداء عبقرية كلمة ، وعبقرية لحن، وعبقرية صوت بشري، وتغادر الشاشة منذ السينماء على الحائط.. إلى شاشة التلفاز وأنت في انفعال مع المشهد كأنك تتعامل مع الواقع وقد كسبت: طعم نكتة، وألق فكرة، وعذوبة نبرة لغوية، وحلاوة إنشاد أو غناء.. إنني أنعى على أبناء هذا القرن السامج رومانسيتي الفنية، ولا أغبطهم على قبح فني تعيشه أفلام وأنغام الأصباغ والميوعة والفراغ من العبقرية أدبا وفنا، وقبح السحنة؛ فلا جمال ولا تحزن.. ومن الجمال الـمحرك وجدان العربـي المسلم (؛ لأنه من أعراف بيئته): أداء الـمسحراتي الذي عايشته في القاهرة عام 1395هـ وما بعيده، وقد ذكر الأستاذ صلاح حسين محمد شهاب الدين (؛ وهو كاتب من سوهاج منشإ أخوال بعض ذريتي من قبيلة جهينة؛ وعند جهينة الخبر اليقين) جذور هذا الأداء الشجي، وذكر بعض المصادر التاريخية؛ وهي (فيما ذكره في مقالته (الـمسحراتي المصري ونغمه الجميل): رمضان لحسن عبدالوهاب/ الهيئة العامة للكتاب 1986م/ ص49،ورمضانيات لمصطفى عبدالرحمن/ سلسلة إقرأ/ العدد 488/ دار المعارف بمصر/ ص135- 136، ومجلة المنهل/ العدد 546 ج59/ رمضان 1418/ يناير 1998م السعودية/ ص38، ورمضان فيالزمن الجميل لعبده عرفة علي/ كتاب الجمهورية 1999م ص38، ومجلة المنهل/ العدد 521/ج 56/ رمضان/ شوال1415هـ ص11، وقرة العين في رمضان والعيدين لعلي الجندي/ مطابع الأهرام التجارية ج1/ ص374.. وكل هذا عن مجلة الفيصل س26 /ع303 رمضان 1422 هـ/ نوفمبر/ ديسمبر 2001 ص 23 - 26].
قال أبو عبدالرحمن: يدور المسحراتي على البيوت قبيل أذان الفجر الآخر بساعة منشدا على الطبلة ؛ وذلك فن أفاد منه الأسبانيون في فنهم المعروف بـ(التروبادور).. ومن أغاني المسحراتي أمام المنزل على الطبلة هذه المقطوعة:
عبلة ست العرايس.. ما انساش اسمها
ياللي المشجر والحرير لبسها
أو يقول: (وتشكيلي الحروف حسب عامية مصر):
يا ست نادية.. ياحبيبة الصباح
ياعقد لولي.. فوق صدور الملاح
يا مسك تركي.. أينما يذهب فاح
على جبل عرفات.. يجمع الله شملها
في جاه نبي مرسل عليه السلام.
قال أبو عبدالرحمن: التوسل بجاه سيد النبيين والمرسلين محمد^ غير مشروع بعد وفاته، ويوم القيامة لا يشفع أحد إلا بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، وجعل الـله لعبده ورسوله محمد شفاعة المقام المحمود بعد سجود طويل، وبعد أن يفتح الله عليه بمفاتح لم ترد عليه في حياته، ولا يشفع لكافر، ولا لذي بدعة أحدثها، أو عمل بها من إحداث من قبله؛ بل يذادون عن الحوض، ويتبرأ منهم.. وبقية المقطع:
أحياكم المولى إلى كل عام
وكل عام وانتو الجميع طيبين
فالحج أعظم مطلب في البلدان النائية، أو التي يحيط بها البحر؛ ولهذا كان الحج ولو مرة واحدة في الـعمر خاتـمة خير في سلوك الفرد، وكلمة(يا حاج) أعظم حلية مدى بقية العمر لمن قضى نسكه، وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى مع روائع متجددة من العقل الجمالي, والله المستعان.