يحدث أن تكون الكتابة سلاحك الموجه ضدك، ويحدث أن تكون بين أمرين أحلاهما مر، فحين تُنازعك النفس في لحظة تجلٍّ للروح لتكتب، فتختلس لحظات من الزمن، لتنكب على الأوراق بكامل دوافعك ورغباتك وتشكلات شخصيتك بثقافتها وما تأثرت به من النواحي الاجتماعية والنفسية والبيئية، وبينما أنت كذلك تسمع الصوت المتردد في عقلك، الذي يعبر صداه كل تجلياتك ويناديك لا تكتب، لا تكاشف، لا تصارح، لا تقل حتى يحبك المجتمع، لا تكن مكشوفاً أمام الجميع، عارياً من أسرارك. في هذه اللحظات فقط تقع بين المتناقضات، رغبة البوح ورغبة الصمت، ولا تدري أيهما تختار!
ولكن ليست تلك المتناقضات هي أسوأ صراع قد يحدث بين الكاتب ونفسه، فهذا على الأقل يحدث قبل الكتابة، ولكن أسوأ ما قد يحدث لكاتب ما هو أن يضطر ليمحو ما كتب، أو يعمل على تعديله بما يتوافق مع «الرأي العام السائد» في المجتمع حول قضية ما، وبما لا يجعله يدخل في نزاعات وإشكاليات مع أفراد المجتمع، أو بما يرضي الجهات الرقابية المعنية بالفسح والنشر.
وطالما الحديث مستمراً في دائرة السوء عند الكُتاب وصراعاتهم مع الحرف، فإن الكاتب الذي يكتب شيئاً لا يشبهه ليكسب رضا الناس، لا يستطيع مواجهة ما كتب، بل إن كل حرف كتبه يتحول إلى شبح يطارده في هواجسه. فالحرف في شريعة اللغات أجمع، إما أن يخرج صادقاً نقياً من غير سوء، وإلا فإنه يتحول إلى وحش كاسر يدمر أول ما يدمر «كاتبه بنفسه».
تلك الكلمات أعلاه تخبركم شيئاً يسيراً عن صراعات الكاتب مع حرفه، كتبتها من أجل أن يتوقف السائلون لكل كاتب: لماذا كتبت كذا وكذا؟ وماذا جنيت من كتابك الفلاني أو مقالك الذي قلت فيه...إلخ دون أن يدركوا أن الكتابة بعد ذاتها تتطلب شجاعة لمواجهة صراعات الفكرة قبل وأثناء وبعد الكتابة!
- عادل بن مبارك الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @