محمد عبد الرزاق القشعمي
بدأت مكتبة الملك فهد الوطنية بالتسجيل مع بعض الرواد بمشروع جديد هو
(التاريخ الشفوي) منذ عام 1415هـ، وقد استضافت المكتبة الراوي إبراهيم اليوسف بتاريخ 6-2-1419هـ، وعرفت منه أسماء بعض الرواة المهتمين بتاريخ وتراث المنطقة، وذكر منهم الراوية إبراهيم الواصل فزرته في منزله بالرياض بحي
(الربوة) وحضرت بعض جلساته المنظمة والمحددة بيومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.
وسمعت منه بعض القصص والأشعار الشعبية والأحداث والوقائع التاريخية، فأعجبت به وبذاكرته الثرة رغم تجاوزه الثمانين من عمره، لقرب مسكنه من مسكني فقد أصبحت أحضر مجلسه المسائي -بين صلاتي المغرب والعشاء- أيام الخميس، إذ إن له جلسة أخرى صباحية يرتادها المتقاعدون من أمثاله.
تعرفت على ابنه الدكتور عبدالعزيز وعرضت عليه فكرة التسجيل مع والده عن ذكرياته ومختصر سيرته الذاتية وأن هذا المشروع للحفظ بالمكتبة الوطنية كمرجع للباحثين، فرحب بالفكرة وعرضها على الوالد الذي حاول الاعتذار، ولكنه وافق بعد التأكيد له بأن ما سيسجل معه لن ينشر.
وفعلاً تم اللقاء في منزله بعد عصر يوم 27-7-1419هـ، بحضور ابنه الدكتور عبدالعزيز فبدأ يروي قصته بدءًا بمولده وطفولته بعنيزة عام 1336هـ ووفاة والدته وهو طفل صغير، فاحتضنته خالته، ولم يلبث أن فقد والده وهو في التاسعة من عمره، فذاق طعم اليتم منذ طفولته.
بدأ الدراسة لدى كتاب عبدالعزيز المحمد الدامغ (ضعيف الله)، ثم انتقل إلى كتاب صالح الشايع فحفظ القرآن مع مجموعة من الطلاب.
في شهر ذي القعدة من عام 1347هـ عاد لعنيزة من البحرين الأستاذ صالح بن ناصر الصالح الذي سبق له أن تعلم في الزبير بالعراق، جاء زائراً فأشير عليه بالبقاء وفتح مدرسة حديثة لتعليم الأولاد، فاقتنع بالفكرة وافتتح المدرسة عام 1348هـ.
وأصبحت مدرسة صالح بن صالح شبه النظامية إذ تعلمهم القراءة والكتابة والحساب والأناشيد وحتى لعب الكرة، وقد شاهدوا لأول مرة اللوح الأسود الملصق بالحائط أمامهم الذي يسمى (السبورة) للكتابة عليه بخط واضح.
وفي نهاية سنتها الأولى أقامت المدرسة حفلها السنوي على شرف أمير عنيزة وجمع من الأهالي تخلله الخطب والأناشيد والتمثيليات المضحكة والمناظرات الشعرية والنثرية.
وكان للطالب النجيب إبراهيم الواصل دور في المناظرة التي تمت مع زميله إبراهيم الصويان بعنوان: بين جاهل ومتعلم، شجعت بقية الأهالي على إلحاق أبنائهم بالمدرسة.
كان الواصل من أنجب الطلاب فكان المدير الصالح يعتمد عليه ويسند إليه حفظ أصعب النصوص من شعر أو نثر ليلقيها أمام الآباء والأعيان في المناسبات التي تقيمها المدرسة.
في حدود الخامسة عشرة من عمره ترك الدراسة ليواجه مصاعب الحياة، فغادر مسقط رأسه إلى البحرين ليعمل موظفاً لدى التاجر سليمان الفهد البسام ولمدة سنتين، عاد بعدها إلى الرياض للبحث عن عمل أفضل، وعندما أعياه البحث أخذ طريقه إلى مكة المكرمة للحج عام 1356هـ فصادف ابن بلدته -عنيزة- سليمان البراهيم القاضي الذي عرض عليه العمل معه في مالية (رماح) -شمال المملكة- بوظيفة كاتب، انتقل بعدها للعمل موظفاً في إمارة (رنية) -غرب المملكة- لثلاث سنوات، ثم بدأ العمل التجاري الحر بالكويت.
وأثناء الحرب العالمية الثانية افتتحت المملكة مكتباً تجارياً بالكويت لمساعدة السعوديين المقيمين هناك بتوفير المواد الغذائية وغيرها إضافة لتصدير تلك المواد للمملكة لتوزيعها على المحتاجين طوال فترة الحرب. التحق بالعمل في المكتب ولمدة أربع سنوات ويذكر أن مدير المكتب التجاري هو الأستاذ أحمد عبيد ومساعده سليمان القاضي.
بعد نهاية الحرب وانتهاء دور المكتب عاد لمزاولة عمله التجاري منتقلاً بين الكويت والمملكة، وفي عام 1370هـ استقر بالرياض ليعمل في البلدية ولمدة ست سنوات، ثم أسند إليه إدارة جديدة تسمى (مكتب مشروعات المياه بمدينة الرياض) إلى أن تم إلغاؤه ليلتحق بعد ذلك بإدارة مصلحة معاشات التقاعد التابع لوزارة المالية والاقتصاد الوطني كمدير للسجلات والمحفوظات من عام 1379هـ وحتى 1396هـ حيث تقاعد عن العمل الرسمي.
أما اهتمامه بالأنساب والشعر الشعبي فقد بدأ مبكراً وبالتحديد أثناء وجوده بالكويت فقد كانت تنظم المساجلات بين كبار الشعراء بالكويت في منتديات معروفة يتنافس فيها الشعراء المشهورون من المملكة وإمارات الخليج فَنَمَتْ ملكة النقد عنده، وزادت حصيلته في المجالسة والحفظ والمشاركة، مما حفزه على معرفة كثير من الروايات والقصائد إذ كان يسافر من أجل أن يتقصى بعض المعلومات من مصادرها المختلفة، وليوثق ما سمعه مما كون لديه حصيلة أهلته ليكون أحد أهم رواة الشعر بأغراضه المختلفة.
ومنذ تقاعده من العمل الحكومي عام 1396هـ خصص جلسات في منزله في الفترة الصباحية من يومي الأحد والأربعاء، وبعد مغرب يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.
وكان يواظب على حضور تلك الجلسات الصباحية والمسائية من له اهتمام بالشعر والرواية وعلم الأنساب والتاريخ والقصص.